(وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ) (: جِزْيَةٌ تُوضَعُ بِالتَّرَاضِي وَالصُّلْحِ فَتَتَقَدَّرُ بِحَسَبِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ) كَمَا «صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْ حُلَّةٍ»، وَلِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ التَّرَاضِي فَلَا يَجُوزُ التَّعَدِّي إلَى غَيْرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ
لَا يُلْزَمُونَ بِهَا إلَّا إذَا لَمْ يُسْلِمُوا؛ وَلِأَنَّهُ حَقِيقَةُ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُطْلِقَ الْخَرَاجُ فَإِنَّمَا يَتَبَادَرُ خَرَاجُ الْأَرْضِ، وَلَا يُطْلَقُ عَلَى الْجِزْيَةِ إلَّا مُقَيَّدًا فَيُقَالُ خَرَاجُ الرَّأْسِ، وَعَلَامَةُ الْمَجَازِ لُزُومُ التَّقْيِيدِ، وَتُجْمَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى جِزَى كَلِحْيَةٍ وَلِحَى وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الْجَزَاءُ، وَإِنَّمَا بُنِيَتْ عَلَى فِعْلَةٍ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْهَيْئَةِ وَهِيَ هَيْئَةُ الْإِذْلَالِ عِنْدَ الْإِعْطَاءِ عَلَى مَا سَيُعْرَفُ (وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: جِزْيَةٌ تُوضَعُ بِالتَّرَاضِي وَالصُّلْحِ) عَلَيْهَا (فَتَتَقَدَّرُ بِحَسَبِ مَا عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ) فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ، وَأَصْلُهُ «صُلْحُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَهْلَ نَجْرَانَ وَهُمْ قَوْمٌ نَصَارَى بِقُرْبِ الْيَمَنِ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ فِي الْعَامِ» عَلَى مَا فِي أَبِي دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ﵄، قَالَ: «صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ، النِّصْفُ فِي صَفَرٍ، وَالنِّصْفُ فِي رَجَبٍ» انْتَهَى. وَصَالَحَ عُمَرُ ﵁ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمَالِ الْوَاجِبِ، فَلَزِمَ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي الزَّكَاةِ.
هَذَا، وَقَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلَى أَهْلِ نَجْرَانَ بَعْدَ أَنْ قَالَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ كُلُّ حُلَّةٍ أُوقِيَّةٌ: يَعْنِي قِيمَتَهَا أُوقِيَّةٌ، وَقَوْلُ الْوَلْوَالِجِيِّ: كُلُّ حُلَّةٍ خَمْسُونَ دِرْهَمًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْأُوقِيَّةَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَالْحُلَّةُ ثَوْبَانِ إزَارٌ وَرِدَاءٌ، وَتُعْتَبَرُ هَذِهِ الْحُلَلُ فِي مُقَابَلَةِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ رُءُوسِهِمْ وَأَرَاضِيِهِمْ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَلْفَا حُلَّةٍ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ وَعَلَى جِزْيَةِ رُءُوسِهِمْ تُقَسَّمُ عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ الَّذِينَ لَمْ يُسْلِمُوا، وَعَلَى كُلِّ أَرْضٍ مِنْ أَرَاضِي نَجْرَانَ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَدْ بَاعَ أَرْضَهُ أَوْ بَعْضَهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ تَغْلِبِيٍّ، وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي أَرَاضِيِهِمْ، وَأَمَّا جِزْيَةُ رُءُوسِهِمْ فَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ اهـ.
يَعْنِي أَنَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ يُؤْخَذُ سَوَاءٌ بَاعَ بَعْضُهُمْ أَرْضَهُ أَوْ لَمْ يَبِعْ، ثُمَّ إذَا بَاعَ أَرْضَهُ يُؤْخَذُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ عَلَى حَالِهِ، وَيُؤْخَذُ الْخَرَاجُ مِنْ الْمُشْتَرِي الْمُسْلِمِ وَعُشْرَانِ مِنْ التَّغْلِبِيِّ الْمُشْتَرِي. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْ حُلَّةٍ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ بَنِي نَجْرَانَ، فَإِنَّ نَجْرَانَ اسْمُ أَرْضٍ مِنْ حَيِّزِ الْيَمَنِ لَا اسْمُ أَبِي قَبِيلَةٍ، فَلِذَا كَانَ الثَّابِتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute