للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَذَا لِأَنَّهُ وَجَبَ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ بِكَثْرَةِ الْوَفْرِ وَقِلَّتِهِ، فَكَذَا أُجْرَتُهُ هُوَ بَدَلُهُ، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ صُلْحًا، وَلِهَذَا أَمَرَهُ بِالْأَخْذِ مِنْ الْحَالِمَةِ وَإِنْ كَانَتْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا الْجِزْيَةُ.

قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَذَلِكَ) أَيْ النُّصْرَةُ (يَتَفَاوَتُ بِكَثْرَةِ الْوَفْرِ وَقِلَّتِهِ فَكَذَا مَا هُوَ بَدَلُهُ) يَعْنِي الْجِزْيَةَ، وَإِلْحَاقًا بِخَرَاجِ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ وَجَبَ عَلَى التَّفَاوُتِ.

فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ لَوْ كَانَتْ خَلَفًا عَنْ النُّصْرَةِ لَزِمَ أَنْ لَا تُؤْخَذَ مِنْهُمْ لَوْ قَاتَلُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ سَنَةً مُتَبَرِّعِينَ أَوْ بِطَلَبِ الْإِمَامِ مِنْهُمْ ذَلِكَ، وَالْحَالُ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَعَ ذَلِكَ. أُجِيبُ بِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ نُصْرَتَهُمْ بِالْمَالِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ تَغْيِيرُ الْمَشْرُوعِ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ النُّصْرَةَ الَّتِي فَاتَتْ نُصْرَةَ الْمُسْلِمِينَ، فَنُصْرَةُ الْإِسْلَامِ فَاتَتْ بِالْكُفْرِ فَأُبْدِلَتْ بِالْمَالِ، وَلَيْسَ نُصْرَتُهُمْ فِي حَالِ كُفْرِهِمْ تِلْكَ النُّصْرَةَ الْفَائِتَةَ فَلَا يَبْطُلُ خَلَفُهَا. نَعَمْ سَيَجِيءُ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْجِزْيَةَ خَلَفٌ عَنْ قَتْلِهِمْ، وَالْوَجْهُ أَنَّهَا خَلَفٌ عَنْ قَتْلِهِمْ وَنُصْرَتِهِمْ جَمِيعًا.

قَالَ: (وَمَا رَوَاهُ) مِنْ وَضْعِ الدِّينَارِ عَلَى الْكُلِّ (مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ صُلْحًا) فَإِنَّ الْيَمَنَ لَمْ تُفْتَحْ عَنْوَةً بَلْ صُلْحًا فَوَقَعَ عَلَى ذَلِكَ، وَقُلْنَا: وَلِأَنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ كَانُوا أَهْلَ فَاقَةٍ وَالنَّبِيُّ يَعْلَمُ فَفَرَضَ عَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْفُقَرَاءِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ قُلْت لِمُجَاهِدٍ: مَا شَأْنُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَأَهْلُ الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ؟ قَالَ: جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْيَسَارِ. هَذَا، ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ مِنْ الْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ وَالْفَقِيرِ؛ فَقِيلَ إنْ كَانَ لَهُ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَهُوَ مُوسِرٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ مِائَتَانِ فَصَاعِدًا مَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْعَشَرَةِ فَمُتَوَسِّطٌ، وَمَنْ كَانَ مُعْتَمِلًا فَهُوَ مُكْتَسِبٌ. وَعَنْ بِشْرِ بْنِ غِيَاثٍ: مَنْ كَانَ يَمْلِكُ قُوتَهُ وَقُوتَ عِيَالِهِ وَزِيَادَةً فَمُوسِرٌ، وَإِنْ مَلَكَ بِلَا فَضْلٍ فَهُوَ الْوَسَطُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَدْرُ الْكِفَايَةِ فَهُوَ الْمُعْتَمِلُ: أَيْ الْمُكْتَسِبُ. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: يُنْظَرُ إلَى عَادَةِ كُلِّ بَلَدٍ فِي ذَلِكَ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ خَمْسِينَ أَلْفًا بِبَلْخٍ يُعَدُّ مِنْ الْمُكْثِرِينَ وَفِي الْبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ لَا يُعَدُّ مُكْثِرًا. وَذَكَرَهُ عَنْ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ، وَيُعْتَبَرُ وُجُودُ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِي آخِرِ السَّنَةِ وَالْمُعْتَمِلِ الْمُكْتَسِبُ، وَالِاعْتِمَالُ الِاضْطِرَابُ فِي الْعَمَلِ وَهُوَ الِاكْتِسَابُ؛ وَقُيِّدَ بِالِاعْتِمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَرِيضًا فِي نِصْفِ السَّنَةِ فَصَاعِدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، أَمَّا لَوْ لَمْ يَعْمَلْ وَهُوَ قَادِرٌ فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>