قَالَ: (وَتُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ﴾ الْآيَةَ، «وَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْجِزْيَةَ عَلَى الْمَجُوسِ». قَالَ: (وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ) وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ. هُوَ يَقُولُ: إنَّ الْقِتَالَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَقَاتِلُوهُمْ﴾ إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا جَوَازَ تَرْكِهِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ وَفِي حَقِّ الْمَجُوسِ بِالْخَبَرِ فَبَقِيَ مَنْ وَرَاءَهُمْ عَلَى الْأَصْلِ. وَلَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ فَيَجُوزُ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْتَمِلُ عَلَى سَلْبِ النَّفْسِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يَكْتَسِبُ وَيُؤَدِّي إلَى الْمُسْلِمِينَ وَنَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ،
كَمَنْ عَطَّلَ الْأَرْضَ.
(قَوْلُهُ وَتُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ) الْيَهُودِ. وَيَدْخُلُ فِيهِمْ السَّامِرَةُ فَإِنَّهُمْ يَدِينُونَ بِشَرِيعَةِ مُوسَى ﷺ إلَّا أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَهُمْ فِي فُرُوعٍ. وَالنَّصَارَى وَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْفِرِنْجُ وَالْأَرْمَنُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ وَأَمَّا الصَّابِئُونَ فَعَلَى الْخِلَافِ مَنْ قَالَ هُمْ مِنْ النَّصَارَى أَوْ قَالَ هُمْ مِنْ الْيَهُودِ فَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَمَنْ قَالَ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ فَلَيْسُوا مِنْ الْكِتَابِيِّينَ بَلْ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَتُؤْخَذُ: أَيْ الْجِزْيَةُ مِنْ الصَّابِئَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَأُطْلِقَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ فَشَمَلَ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنْ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ.
وَأَمَّا الْمَجُوسُ عَبَدَةُ النَّارِ فَفِي الْبُخَارِيِّ: «وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ ﵁ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ» وَهَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَوَضَعَ ﵊ الْجِزْيَةَ عَلَى الْمَجُوسِ) وَهَجَرُ بَلْدَةٌ فِي الْبَحْرَيْنِ (قَوْلُهُ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ) بِالْجَرِّ: أَيْ وَتُوضَعُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ (وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ. هُوَ يَقُولُ الْقِتَالُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَقَاتِلُوهُمْ﴾ إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا جَوَازَ تَرْكِهِ) إلَى الْجِزْيَةِ (فِي حَقِّ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْقُرْآنِ) أَعْنِي مَا تَلَوْنَاهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ﴾ (وَفِي الْمَجُوسِ بِالْخَبَرِ) الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ (فَبَقِيَ مَنْ وَرَاءَهُمْ عَلَى الْأَصْلِ. وَلَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ فَيَجُوزُ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ) بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الِاسْتِرْقَاقِ وَالْجِزْيَةِ (يَشْتَمِلُ عَلَى سَلْبِ النَّفْسِ مِنْهُمْ) أَمَّا الِاسْتِرْقَاقُ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ تَصِيرُ مَنْفَعَةُ نَفْسِهِ لَنَا، وَكَذَا الْجِزْيَةُ (فَإِنَّهُ يَكْتَسِبُ وَيُؤَدِّي إلَى الْمُسْلِمِينَ) وَالْحَالُ أَنَّ (نَفَقَتَهُ فِي كَسْبِهِ) فَقَدْ أَدَّى حَاجَةَ نَفْسِهِ إلَيْنَا أَوْ بَعْضَهَا، فَهَذَا الْمَعْنَى يُوجِبُ تَخْصِيصَ عُمُومِ وُجُوبِ الْقِتَالِ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute