للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوا الزِّيَادَةَ بِسَبَبِهِمْ (وَلَا تُوضَعُ عَلَى الرُّهْبَانِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ) كَذَا ذَكَرَ هَاهُنَا. وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُوضَعُ عَلَيْهِمْ إنْ كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ، وَهُوَ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَجْهُ الْوَضْعِ عَلَيْهِمْ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعَمَلِ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَهَا فَصَارَ كَتَعْطِيلِ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ.

وَوَجْهُ الْوَضْعِ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا قَتْلَ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ، وَالْجِزْيَةُ فِي حَقِّهِمْ لِإِسْقَاطِ الْقَتْلِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَمِلُ صَحِيحًا وَيَكْتَفِي بِصِحَّتِهِ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ.

(وَمَنْ أَسْلَمَ وَعَلَيْهِ جِزْيَةٌ سَقَطَتْ عَنْهُ) وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ كَافِرًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا. لَهُ أَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ أَوْ عَنْ السُّكْنَى وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ الْمُعَوَّضُ

عَنْهُمْ، فَأَزَالَ هَذَا الِاحْتِمَالَ بِقَوْلِهِ وَلَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ مَوَالِيهِمْ (لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوا الزِّيَادَةَ) فِي الْجِزْيَةِ حَتَّى لَزِمَهُمْ جِزْيَةُ الْأَغْنِيَاءِ (بِسَبَبِهِمْ) فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَنْهُمْ شَيْءٌ آخَرُ وَإِلَّا كَانُوا مُلْزَمِينَ بِجِزْيَتَيْنِ، وَيُقَرَّرُ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُمْ أَنَّهُمْ تَحَمَّلُوا الزِّيَادَةَ بِسَبَبِهِمْ فَكَانَتْ الْجِزْيَةُ عَنْهُ وَعَنْهُمْ مَعْنًى شَرْعًا فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ آخَرُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ غِنَى الْمُلَّاكِ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَالٌ وَيَجُرُّونَ الْمَالَ بِالْكَسْبِ. (قَوْلُهُ: وَلَا تُوضَعُ عَلَى الرُّهْبَانِ) جَمْعُ رَاهِبٍ، وَقَدْ يُقَالُ لِلْوَاحِدِ رُهْبَانٌ أَيْضًا، وَشُرِطَ أَنْ لَا يُخَالِطَ النَّاسَ، وَمَنْ خَالَطَ مِنْهُمْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ.

(هَكَذَا ذَكَرَ) الْقُدُورِيُّ (وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تُوضَعُ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَوَجْهُ الْوَضْعِ أَنَّهُ الَّذِي ضَيَّعَ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعَمَلِ فَصَارَ كَتَعْطِيلِ أَرْضِ الْخَرَاجِ) مِنْ الزِّرَاعَةِ. (وَوَجْهُ وَضْعِ الْجِزْيَةِ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا قَتْلَ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ وَالْجِزْيَةُ فِي حَقِّهِمْ لِإِسْقَاطِ الْقَتْلِ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا أَصْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا عِنْدَنَا بَدَلٌ عَنْ نُصْرَتِهِمْ الَّتِي فَاتَتْ بِالْكُفْرِ وَعِنْدَهُ بَدَلٌ عَنْ الْقَتْلِ، فَأَفَادَ صِحَّةَ هَذَا الِاعْتِبَارِ عِنْدَنَا وَلَكِنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْمُعْتَبَرَ فَقَطْ بَلْ الْمَجْمُوعُ مِنْهُ وَمِنْ كَوْنِهِ خَلَفًا عَنْ نُصْرَتِهِمْ إيَّانَا فَمَتَى تَخَلَّفَ أَحَدُهُمَا انْتَفَى وُجُوبُهَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا جِزْيَةَ عَلَى السَّيَّاحِينَ. قِيلَ يَجُوزُ أَنَّهُ أَرَادَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ مِنْهُمْ فَيَكُونُ اتِّفَاقًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ هُوَ مَنْ لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَمَنْ لَا يُخَالِطُ النَّاسَ لَا يُقْتَلُ.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَسْلَمَ وَعَلَيْهِ جِزْيَةٌ) بِأَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ كَمَالِ السَّنَةِ (سَقَطَتْ عَنْهُ، وَكَذَا إذَا مَاتَ كَافِرًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا) وَكَذَا لَوْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ أَوْ أَسْلَمَ. وَفِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لَا يَسْقُطُ فِيهِمَا أَيْضًا قِسْطُ مَا مَضَى، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ عَمِيَ أَوْ زَمِنَ أَوْ أُقْعِدَ أَوْ صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ أَوْ افْتَقَرَ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ (لَهُ أَنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ) الَّتِي ثَبَتَتْ لِلذِّمِّيِّ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ (أَوْ) بَدَلًا (عَنْ السُّكْنَى) فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ آخَرُ لَهُ. (وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ الْمُعَوَّضُ) وَهُوَ حَقْنُ دَمِهِ وَسُكْنَاهُ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>