وَالْجِزْيَةُ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَسَدِّ الثُّغُورِ وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ، وَيُعْطَى قُضَاةُ الْمُسْلِمِينَ وَعُمَّالُهُمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ مِنْهُ مَا يَكْفِيهِمْ، وَيُدْفَعُ مِنْهُ أَرْزَاقُ الْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ)؛ لِأَنَّهُ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّهُ وَصَلَ إلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ وَهُوَ مُعَدٌّ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَهَؤُلَاءِ عَمَلَتُهُمْ وَنَفَقَةُ الذَّرَارِيِّ عَلَى الْآبَاءِ، فَلَوْ لَمْ يُعْطَوْا كِفَايَتَهُمْ لَاحْتَاجُوا إلَى الِاكْتِسَابِ فَلَا يَتَفَرَّغُونَ لِلْقِتَالِ (وَمَنْ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْعَطَاءِ) لِأَنَّهُ نَوْعُ صِلَةٍ وَلَيْسَ بِدَيْنٍ؛ وَلِهَذَا سُمِّيَ عَطَاءً فَلَا يُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَأَهْلُ الْعَطَاءِ فِي زَمَانِنَا مِثْلُ الْقَاضِي وَالْمُدَرِّسِ وَالْمُفْتِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْجِزْيَةُ تُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَسَدِّ الثُّغُورِ، وَهِيَ مَوَاضِعُ يُخَافُ هُجُومُ الْعَدُوِّ فِيهَا مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ (وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ) وَهِيَ مَا تُوضَعُ وَتُرْفَعُ فَوْقَ الْمَاءِ لِيُمَرَّ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْقَنْطَرَةِ يُحْكَمُ بِنَاؤُهَا وَلَا تُرْفَعُ (وَيُعْطَى قُضَاةُ الْمُسْلِمِينَ وَعُمَّالُهُمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ مِنْهُ مَا يَكْفِيهِمْ، وَتُدْفَعُ مِنْهُ أَرْزَاقُ الْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ) فَإِنَّهُ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِمْ فَلَوْ لَمْ يَكْفُوهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ اشْتَغَلُوا بِالْكَسْبِ وَتَرَكُوا الِاسْتِعْدَادَ لِلدَّفْعِ وَهَذَا (لِأَنَّهُ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ) وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ، بِخِلَافِ الْحَاصِلِ بِسَبَبِ الْقِتَالِ فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَلَا يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِذَا كَانَ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَهَؤُلَاءِ عُمَّالُهُمْ، وَزَادَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ فِي عَلَامَةِ السَّيِّدِ أَبِي شُجَاعٍ أَنَّهُ يُعْطَى أَيْضًا لِلْمُعَلِّمِينَ وَالْمُتَعَلِّمِينَ وَبِهَذَا تَدْخُلُ طَلَبَةُ الْعِلْمِ، بِخِلَافِ الْمَذْكُورِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَتَأَهَّلَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ لَكِنْ لَيَعْمَلَ بَعْدَهُ لِلْمُسْلِمِينَ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْعَطَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ صِلَةٍ وَلَيْسَ بِدَيْنٍ، وَلِكَوْنِهِ صِلَةً سُمِّيَ عَطَاءً فَلَا يُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ) فَلَا يُورَثُ (وَيَسْقُطُ بِالْمَوْتِ) وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ تَأَكُّدِ حَقِّهِ بِمَجِيءِ وَقْتِ الْمُطَالَبَةِ، وَالْحَقُّ الضَّعِيفُ لَا يُجْرَى فِيهِ الْإِرْثُ كَسَهْمِ الْغَازِي فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يُورَثُ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَأَكَّدَ سَهْمُهُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَإِنَّهُ يُورَثُ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ، وَتَقْيِيدُ مُحَمَّدٍ ﵀ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِنِصْفِ السَّنَةِ رُبَّمَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ إذَا مَاتَ آخِرَهَا يُعْطَى وَرَثَتُهُ، وَقَالُوا: لَا يَجِبُ أَيْضًا وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى عَنَاءَهُ: أَيْ تَعَبَهُ فِي عَمَلِهِ لِلْمُسْلِمِينَ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْطَى.
وَعَلَّلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ عَدَمَ وُجُوبِ إعْطَائِهِ بَعْدَمَا تَمَّتْ السَّنَةُ أَيْضًا بِمَا ذَكَرْنَا فِي نِصْفِهَا، فَأَفَادَ أَنَّهُ لَمْ يَتَأَكَّدْ الْحَقُّ بَعْدَمَا تَمَّتْ السَّنَةُ أَيْضًا مُعَوِّلًا عَلَى أَنَّهُ صِلَةٌ فَلَا يُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَذَا يَقْتَضِي قَصْرَ الْإِرْثِ عَلَى حَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَالْوَجْهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ دَفْعِهِ لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَأَكَّدَ بِإِتْمَامِ عَمَلِهِ فِي السَّنَةِ كَمَا قُلْنَا: إنَّهُ يُورَثُ سَهْمُ الْغَازِي بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِتَأَكُّدِ الْحَقِّ حِينَئِذٍ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ مِلْكٌ: وَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَإِنَّمَا خَصَّ نِصْفَ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ آخِرِهَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصْرَفَ ذَلِكَ إلَى وَرَثَتِهِ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا إلَّا عَلَى قَدْرِ عَنَائِهِ يَقْتَضِي أَنْ يُعْطَى حِصَّتَهُ مِنْ الْعَامِ.
ثُمَّ قِيلَ: رِزْقُ الْقَاضِي وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ يُعْطَى فِي آخِرِ السَّنَةِ، وَلَوْ أُخِذَ فِي أَوَّلِهَا ثُمَّ مَاتَ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ مُضِيِّهَا، قِيلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute