ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى الْقَاطِعِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ لِلْوَرَثَةِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ السِّرَايَةَ حَلَّتْ مَحَلًّا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَأُهْدِرَتْ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمُرْتَدِّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِهْدَارَ لَا يَلْحَقُهُ الِاعْتِبَارُ، أَمَّا الْمُعْتَبَرُ قَدْ يُهْدَرُ بِالْإِبْرَاءِ فَكَذَا بِالرِّدَّةِ. وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا لَحِقَ وَمَعْنَاهُ إذَا قُضِيَ بِلَحَاقِهِ فَلِأَنَّهُ صَارَ مَيِّتًا تَقْدِيرًا، وَالْمَوْتُ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ، وَإِسْلَامُهُ حَيَاةٌ حَادِثَةٌ فِي التَّقْدِيرِ فَلَا يَعُودُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، فَإِذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ وَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: فِي جَمِيعِ ذَلِكَ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الرِّدَّةِ أَهْدَرَ السِّرَايَةَ فَلَا يَنْقَلِبُ
ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا وَمَاتَ مِنْهُ فَعَلَى الْقَاطِعِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ لِلْوَرَثَةِ) فِيهِمَا (أَمَّا الْأَوَّلُ) وَهُوَ وُجُوبُ نِصْفِ الدِّيَةِ فِيمَا إذَا مَاتَ فَلِأَنَّ الْقَطْعَ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ لَكِنَّ السِّرَايَةَ الَّتِي بِهَا صَارَ الْقَطْعُ قَتْلًا حَلَّتْ الْمَحَلَّ بَعْدَ زَوَالِ عِصْمَتِهِ فَأُهْدِرَتْ إذْ لَوْ لَمْ تُهْدَرْ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ لِلْعَمْدِ.
وَأَيْضًا صَارَ اعْتِرَاضُ زَوَالِ الْعِصْمَةِ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ فِي الْيَدِ، وَإِذَا أُهْدِرَتْ السِّرَايَةُ وَجَبَ دِيَةُ الْيَدِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ وَقَعَ زَمَنَ الْعِصْمَةِ، وَأَقَلُّ مَا فِيهِ دِيَةُ الْيَدِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ قُطِعَتْ يَدُ الْمُرْتَدِّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ) الْقَطْعِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ وَقَعَ فِي وَقْتٍ لَا قِيمَةَ لَهَا فِيهِ وَهُوَ وَقْتُ الرِّدَّةِ فَكَانَتْ هَدَرًا (وَالْهَدَرُ لَا يَلْحَقُهُ الِاعْتِبَارُ، أَمَّا الْمُعْتَبَرُ فَقَدْ يَلْحَقُهُ الْإِهْدَارُ بِالْإِبْرَاءِ فَكَذَا بِالرِّدَّةِ).
وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ وُجُوبُ نِصْفِ الدِّيَةِ إذَا لَحِقَ ثُمَّ عَادَ مُسْلِمًا فَمَاتَ مِنْ الْقَطْعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَمَعْنَاهُ إذَا قُضِيَ بِلَحَاقِهِ فَإِنَّهُ صَارَ مَيِّتًا تَقْدِيرًا) بِالْقَضَاءِ بِاللَّحَاقِ (وَالْمَوْتُ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ، وَإِسْلَامُهُ حَيَاةٌ حَادِثَةٌ فِي التَّقْدِيرِ فَلَا يَعُودُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى) عَلَى أَنَّهَا قَتْلٌ؛ لِأَنَّهُ مَا ثَبَتَ سِرَايَةً بَعْدَ انْقِطَاعِ حُكْمِ الْقَطْعِ فَوَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى مُوجِبِ الْقَطْعِ الْوَاقِعِ فِي حَالِ الْعِصْمَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قَطْعٌ لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَفِي ذَلِكَ نِصْفُ دِيَةِ النَّفْسِ فَوَجَبَ لِلْوَرَثَةِ (وَأَمَّا إذَا لَمْ يُقْضَ بِلَحَاقِهِ) حَتَّى عَادَ مُسْلِمًا فَمَاتَ (فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي نُبَيِّنُهُ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: لَا نَصَّ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ الَّذِي نُبَيِّنُهُ مَا يَذْكُرُ مِنْ أَنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا دِيَةُ النَّفْسِ كَامِلَةً فِيمَا تَلِي هَذِهِ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ: أَيْ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ مُسْلِمًا إذَا ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ مِنْ الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ لَحَاقٍ (فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى الْقَاطِعِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ) اسْتِحْسَانًا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) يَعْنِي الصُّوَرَ الْأَرْبَعَةَ، وَهِيَ مَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ وَمَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ بِلَا لِحَاقٍ أَوْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَوْ قَبْلَهُ ثُمَّ عَادَ فَأَسْلَمَ (نِصْفُ الدِّيَةِ) قِيَاسًا.
وَوَجْهُهُ (أَنَّ اعْتِرَاضَ الرِّدَّةِ أَهْدَرَ السِّرَايَةَ) حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ (لَا يَنْقَلِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute