(وَإِذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ فَحَبِلَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَوَلَدَتْ وَلَدًا وَوُلِدَ لِوَلَدِهِمَا وَلَدٌ فَظُهِرَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا فَالْوَلَدَانِ فَيْءٌ)؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُسْتَرَقُّ فَيَتْبَعُهَا وَلَدُهَا، وَيُجْبَرُ الْوَلَدُ الْأَوَّلُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَا يُجْبَرُ وَلَدُ الْوَلَدِ
بِسَبَبِ رِقِّهِ، مَعَ أَنَّ الرِّقَّ أَقْوَى مِنْ الرِّدَّةِ فِي نَفْيِ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ حَتَّى لَا يَصِحَّ اسْتِيلَادُهُ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَتَوَقَّفُ بِسَبَبِ رِدَّتِهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ مَنَعَ مُقْتَضَى الرِّدَّةِ كَمَا مَنَعَ مُقْتَضَى الرِّقِّ فَصَارَ الْمُكَاتَبُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَكَوْنِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّ كَوْنَ أَحَدِهِمَا لَا يُمْنَعُ مَعَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يُمْنَعَ إذَا اجْتَمَعَا، وَقَدْ اجْتَمَعَ فِي الْمُرْتَدِّ الْمُكَاتَبِ الرِّقُّ وَالرِّدَّةُ فَجَازَ أَنْ يَنْتَفِيَ التَّصَرُّفُ. أُجِيبُ مَرَّةً بِأَنَّ جَوَازَ الْمَنْعِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَهُ فَيَبْقَى عَلَى الْعَدَمِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَمَرَّةً بِأَنَّ الْكِتَابَةَ مُطْلِقٌ لِلتَّصَرُّفِ وَكُلٌّ مِنْ الرِّقِّ وَالرِّدَّةِ مَانِعٌ مِنْهُ بِانْفِرَادِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ شَرْعًا تَرْجِيحُ مُقْتَضَى الْكِتَابَةِ عَلَى مُقْتَضَى أَحَدِهِمَا، وَانْضِمَامُ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ انْضِمَامُ عِلَّةٍ إلَى أُخْرَى فِيمَا يُعَلَّلُ بِعِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ، وَلَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ الْمُسْتَقِلَّةِ لِمَا عُرِفَ، بَلْ التَّرْجِيحُ بِوَصْفٍ فِي الْعِلَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ فَحَبِلَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَوَلَدَتْ وَلَدًا وَوُلِدَ لِوَلَدِهِمَا وَلَدٌ فَظُهِرَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا فَالْوَلَدَانِ فَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُسْتَرَقُّ فَيَتْبَعُهَا وَلَدُهَا ثُمَّ يُجْبَرُ الْوَلَدُ عَلَى الْإِسْلَامِ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ: وَلَا يُقْتَلُ كَوَلَدِ الْمُسْلِمِ إذَا بَلَغَ وَلَمْ يَصِفْ الْإِسْلَامَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلَا يُقْتَلُ (وَلَا يُجْبَرُ وَلَدُ الْوَلَدِ) أَمَّا جَبْرُ الْوَلَدِ؛ فَلِأَنَّهُ يَتْبَعُ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فِي الدِّينِ فَيَكُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِمَا وَمُرْتَدًّا بِرِدَّتِهِمَا، فَلَمَّا كَانَ مُرْتَدًّا بِرِدَّتِهِمَا أُجْبِرَ كَمَا يُجْبَرَانِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُجْبَرْ وَلَدُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتْبَعُ جَدَّهُ بَلْ أَبَاهُ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبَوَاهُ هُمَا اللَّذَانِ يُهَوِّدَانِهِ» الْحَدِيثَ: أَيْ يَسْتَتْبِعَانِهِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ تَبَعًا لِأَبِيهِ فِي الرِّدَّةِ فَيُجْبَرُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ رِدَّةَ أَبِيهِ كَانَتْ تَبَعًا وَالتَّبَعُ لَا يُسْتَتْبَعُ، خُصُوصًا وَأَصْلُ التَّبَعِيَّةِ ثَابِتَةٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ حَقِيقَةً وَلِهَذَا يُجْبَرُ بِالْحَبْسِ لَا بِالْقَتْلِ، بِخِلَافِ أَبِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute