للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ لَا يَعْقِلُ مِنْ الصِّبْيَانِ لَا يَصِحُّ ارْتِدَادُهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَغَيُّرِ الْعَقِيدَةِ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ.

مِنْهُ امْرَأَتُهُ وَلَكِنَّهُ لَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ عُقُوبَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَلْتَزِمَ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِهِ كَسَائِرِ الْعُقُوبَاتِ، وَلَكِنْ لَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ رِدَّتِهِ إهْدَارُ دَمِهِ دُونَ اسْتِحْقَاقِ قَتْلِهِ كَالْمَرْأَةِ إذَا ارْتَدَّتْ لَا تُقْتَلُ، وَلَوْ قَتَلَهَا قَاتِلٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ.

(وَمَنْ لَا يَعْقِلُ مِنْ الصِّبْيَانِ لَا يَصِحُّ ارْتِدَادُهُ؛ لِأَنَّ ارْتِدَادَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَغَيُّرِ الْعَقِيدَةِ) وَكَذَا لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمَجْنُونُ) لَا يَصِحُّ ارْتِدَادُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا إسْلَامُهُ (وَالسَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ) كَالْمَجْنُونِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ. وَقَالَ فِي قَوْلٍ آخَرَ: يَصِحُّ ارْتِدَادُهُ كَطَلَاقِهِ. قُلْنَا: الرِّدَّةُ تُبْنَى عَلَى تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ، وَنَعْلَمُ أَنَّ السَّكْرَانَ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ لِمَا قَالَ وَوُقُوعُ طَلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَصْدِ، وَلِذَا لَزِمَ طَلَاقُ النَّاسِي. وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِيهِ زِيَادَةُ أَحْكَامٍ فَارْجِعْ إلَيْهِ فِي فَصْلِ: وَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ إلَى آخِرِهِ.

[فُرُوعٌ] كُلُّ مَنْ أَبْغَضَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِقَلْبِهِ كَانَ مُرْتَدًّا، فَالسِّبَابُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى، ثُمَّ يُقْتَلُ حَدًّا عِنْدَنَا فَلَا تَعْمَلُ تَوْبَتُهُ فِي إسْقَاطِ الْقَتْلِ. قَالُوا: هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَمَالِكٍ، وَنُقِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ﵁، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُكَفِّرَاتِ فَإِنَّ الْإِنْكَارَ فِيهَا تَوْبَةٌ فَلَا تَعْمَلُ الشَّهَادَةُ مَعَهُ، حَتَّى قَالُوا: يُقْتَلُ وَإِنْ سَبَّ سَكْرَانَ وَلَا يُعْفَى عَنْهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا كَانَ سُكْرُهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ بَاشَرَهُ مُخْتَارًا بِلَا إكْرَاهٍ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ. وَأَمَّا مِثْلُهُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَتَعْمَلُ تَوْبَتُهُ فِي إسْقَاطِ قَتْلِهِ.

وَمَنْ هَزَلَ بِلَفْظِ كُفْرٍ ارْتَدَّ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ لِلِاسْتِخْفَافِ فَهُوَ كَكُفْرِ الْعِنَادِ، وَالْأَلْفَاظُ الَّتِي يَكْفُرُ بِهَا تُعْرَفُ فِي الْفَتَاوَى، وَإِذَا تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ عَكْسُهُ لَا نَأْمُرُهُ بِالرَّجْعَةِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالْكُفْرِ، وَالرِّدَّةُ مُحْبِطَةٌ ثَوَابَ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ. وَإِذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ إنْ عَادَ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فَعَلَيْهِ أَدَاؤُهَا ثَانِيًا، وَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ ثَانِيًا إنْ كَانَ حَجَّ.

وَإِذَا أَعْتَقَ الْمُرْتَدُّ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ ابْنُهُ ثُمَّ مَاتَ الْمُرْتَدُّ أَوْ قُتِلَ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ فَبِمَوْتِهِ يَبْطُلُ، وَإِعْتَاقُ ابْنِهِ قَبْلَ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَلَا يُتَوَقَّفُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَ الْوَارِثُ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ ثُمَّ سَقَطَ الدَّيْنُ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ، وَالْفَرْقُ فِي الْمَبْسُوطِ وَعَنْ عَدَمِ مِلْكِ الْوَارِثِ وَسَبَبِهِ قُلْنَا: إذَا مَاتَ الِابْنُ وَلَهُ مُعْتَقٌ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ وَلَهُ مُعْتَقٌ فَمَالُهُ لِمُعْتَقِهِ لَا لِمُعْتَقِ الِابْنِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ سَبَبِ الْمِلْكِ.

وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالرِّدَّةِ مِنْ عَدْلَيْنِ، وَلَا يُعْلَمُ مُخَالِفٌ إلَّا الْحَسَنَ ﵀ قَالَ: لَا يُقْبَلُ فِي الْقَتْلِ إلَّا أَرْبَعَةٌ قِيَاسًا عَلَى الزِّنَا. وَإِذَا شَهِدُوا عَلَى مُسْلِمٍ بِالرِّدَّةِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ لَا لِتَكْذِيبِ الشُّهُودِ الْعُدُولِ بَلْ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ تَوْبَةٌ وَرُجُوعٌ.

وَقَتْلُ الْمُرْتَدِّ مُطْلَقًا إلَى الْإِمَامِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي وَجْهٍ فِي الْعَبْدِ إلَى سَيِّدِهِ.

وَمَنْ أَصَابَ حَدًّا ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ إنْ لَمْ يَلْحَقْ بِدَارِ الْحَرْبِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَإِنْ لَحِقَ ثُمَّ عَادَ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يُقَامُ مُطْلَقًا وَالْمَبْنِيُّ ظَاهِرٌ.

وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ السَّاحِرِ وَالزِّنْدِيقِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَنْ لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ، وَأَمَّا مَنْ يُبْطِنُ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ فَهُوَ الْمُنَافِقُ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ فِي عَدَمِ قَبُولِنَا تَوْبَتَهُ كَالزِّنْدِيقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الزِّنْدِيقِ لِعَدَمِ الِاطْمِئْنَانِ إلَى مَا يُظْهِرُ مِنْ التَّوْبَةِ إذَا كَانَ يُخْفِي كُفْرَهُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ اعْتِقَادِهِ دِينًا، وَالْمُنَافِقُ مِثْلُهُ فِي الْإِخْفَاءِ وَعَلَى هَذَا فَطَرِيقُ الْعِلْمِ بِحَالِهِ إمَّا بِأَنْ يَعْثُرَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَيْهِ أَوْ يُسِرَّهُ إلَى مَنْ أَمِنَ إلَيْهِ. وَالْحَقُّ أَنَّ الَّذِي يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>