للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَانَتْ قِسْمَتُهُ لِلْحَاجَةِ لَا لِلتَّمْلِيكِ، وَلِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي مَالِ الْعَادِلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، فَفِي مَالِ الْبَاغِي أَوْلَى وَالْمَعْنَى فِيهِ إلْحَاقُ الضَّرَرِ الْأَدْنَى لِدَفْعِ الْأَعْلَى.

(وَيَحْبِسُ الْإِمَامُ أَمْوَالَهُمْ فَلَا يَرُدُّهَا عَلَيْهِمْ وَلَا يُقَسِّمُهَا حَتَّى يَتُوبُوا فَيَرُدَّهَا عَلَيْهِمْ) أَمَّا عَدَمُ الْقِسْمَةِ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ. وَأَمَّا الْحَبْسُ فَلِدَفْعِ شَرِّهِمْ بِكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ وَلِهَذَا يَحْبِسُهَا عَنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا، إلَّا أَنَّهُ يَبِيعُ الْكُرَاعَ؛ لِأَنَّ حَبْسَ الثَّمَنِ أَنْظَرُ وَأَيْسَرُ، وَأَمَّا الرَّدُّ بَعْدَ التَّوْبَةِ فَلِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ وَلَا اسْتِغْنَامَ فِيهَا. .

قَالَ: (وَمَا جَبَاهُ أَهْلُ الْبَغْيِ مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي غَلَبُوا عَلَيْهَا مِنْ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ لَمْ يَأْخُذْهُ الْإِمَامُ ثَانِيًا)؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَخْذِ لَهُ بِاعْتِبَارِ الْحِمَايَةِ وَلَمْ يَحْمِهِمْ (فَإِنْ كَانُوا صَرَفُوهُ فِي حَقِّهِ أَجْزَأَ مَنْ أُخِذَ مِنْهُ) لِوُصُولِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا صَرَفُوهُ فِي حَقِّهِ فَعَلَى أَهْلِهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُعِيدُوا ذَلِكَ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى مُسْتَحِقِّهِ. قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: قَالُوا الْإِعَادَةُ عَلَيْهِمْ فِي الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُمْ مُقَاتِلَةٌ فَكَانُوا مَصَارِفَ، وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، وَفِي الْعُشْرِ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ، فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْفُقَرَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الزَّكَاةِ. وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ يَحْمِيهِمْ فِيهِ؛ لِظُهُورِ وِلَايَتِهِ.

(وَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا وَهُمَا مِنْ عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ)؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِإِمَامِ

فِي الْعَسْكَرِ مَا أَجَافَوْا عَلَيْهِ مِنْ كُرَاعٍ وَسِلَاحٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَكَانَتْ قِسْمَتُهُ لِلْحَاجَةِ لَا لِلتَّمْلِيكِ) وَلَوْلَا أَنَّ فِيهِ إجْمَاعًا لَأَمْكَنَ التَّمَسُّكُ بِبَعْضِ الظَّوَاهِرِ فِي تَمَلُّكِهِ، فَإِنَّ ابْنَ أَبِي شَيْبَةَ أَسْنَدَ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ: لَمَّا انْهَزَمَ أَهْلُ الْجَمَلِ قَالَ عَلِيٌّ : لَا تَطْلُبُوا مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ الْعَسْكَرِ، وَمَا كَانَ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ سِلَاحٍ فَهُوَ لَكُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ أُمُّ وَلَدٍ، وَأَيُّ امْرَأَةٍ قُتِلَ زَوْجُهَا فَلْتَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَحِلُّ لَنَا دِمَاؤُهُمْ وَلَا تَحِلُّ لَنَا نِسَاؤُهُمْ؟ فَخَاصَمُوهُ، فَقَالَ: هَاتُوا نِسَاءَكُمْ وَأَقْرِعُوا عَلَى عَائِشَةَ فَهِيَ رَأْسُ الْأَمْرِ وَقَائِدُهُمْ، قَالَ: فَخَصَمَهُمْ عَلِيٌّ وَعَرَفُوا وَقَالُوا: نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي مَالِ الْعَادِلِ) أَيْ يَسْتَعِينُ بِكُرَاعِهِ وَسِلَاحِهِ عِنْدَ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ (فَفِي مَالِ الْبَاغِي أَوْلَى. وَالْمَعْنَى) الْمُجَوَّزُ (فِيهِ أَنَّهُ دَفْعُ الضَّرَرِ الْأَعْلَى) وَهُوَ الضَّرَرُ الْمُتَوَقَّعُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ (بِالضَّرَرِ الْأَدْنَى) وَهُوَ إضْرَارُ بَعْضِهِمْ.

(وَيَحْبِسُ الْإِمَامُ أَمْوَالَهُمْ) لِدَفْعِ شَرِّهِمْ وَإِضْعَافِهِمْ بِذَلِكَ (وَلَا يَرُدُّهَا إلَيْهِمْ وَلَا يُقَسِّمُهَا حَتَّى يَتُوبُوا فَيَرُدَّهَا عَلَيْهِمْ) أَوْ عَلَى وَرَثَتِهِمْ إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ، وَإِذَا حَبَسَهَا كَانَ بَيْعُ الْكُرَاعِ أَوْلَى (؛ لِأَنَّ حَبْسَ الثَّمَنِ أَنْظَرُ) وَلَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيَتَوَفَّرَ مُؤْنَتَهَا عَلَيْهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ بِهَا حَاجَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَمَا جَبَاهُ أَهْلُ الْبَغْيِ مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي غَلَبُوا عَلَيْهَا مِنْ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ لَا يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ ثَانِيًا) إذَا ظَهَرَ عَلَى الْبُغَاةِ (لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَخْذِ) إنَّمَا كَانَتْ (لَهُ لِحِمَايَتِهِ إيَّاهُمْ وَلَمْ يَحْمِهِمْ) وَمَا قِيلَ إنَّ عَلِيًّا لَمَّا ظَهَرَ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَمْ يُطَالِبْهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا جَبَوْهُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْخَوَارِجَ لَا نَعْلَمُ أَنَّهُمْ غَلَبُوا عَلَى بَلْدَةٍ فَأَخَذُوا جِبَايَاتِهَا. قَالُوا: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا أَتَاهُ سَاعِي الْحَرُورَاء دَفَعَ إلَيْهِ زَكَاتَهُ، وَكَذَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ، ثُمَّ (إنْ كَانُوا صَرَفُوهُ إلَى حَقِّهِ) أَيْ إلَى مَصَارِفِهِ (أَجْزَأَ مَنْ أُخِذَ مِنْهُ) وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ (لِوُصُولِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا صَرَفُوهُ فِي حَقِّهِ فَعَلَى مَنْ أُخِذَ مِنْهُمْ أَنْ يُعِيدُوا الْأَدَاءَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى) قَالَ الْمُصَنِّفُ: (قَالُوا) أَيْ الْمَشَايِخُ (لَا إعَادَةَ عَلَى الْأَرْبَابِ فِي الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُمْ) أَيْ الْبُغَاةَ (مُقَاتِلَةٌ) وَهُمْ مَصْرِفُ الْخَرَاجِ (وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ. وَفِي الْعُشْرِ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ فَكَذَلِكَ) وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أُفْتُوا بِالْإِعَادَةِ، وَكَذَا فِي زَكَاةِ الْأَمْوَالِ كُلِّهَا لَوْ أَخَذُوهَا وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَالْمَدْفُوعُ مُصَادَرَةً إذَا نَوَى الدَّافِعُ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فَارْجِعْ إلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا إلَى آخِرِهِ) يَعْنِي إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>