للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْعَدْلِ حِينَ الْقَتْلِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا كَالْقَتْلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ.

(وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى مِصْرٍ فَقَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ عَمْدًا ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى الْمِصْرِ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ) وَتَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَجْرِ عَلَى أَهْلِهِ أَحْكَامُهُمْ وَأُزْعِجُوا قَبْلَ ذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ لَمْ تَنْقَطِعْ وِلَايَةُ الْإِمَامِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ.

(وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ بَاغِيًا فَإِنَّهُ يَرِثُهُ، فَإِنْ قَتَلَهُ الْبَاغِي وَقَالَ قَدْ كُنْت عَلَى حَقٍّ وَأَنَا الْآنَ عَلَى حَقٍّ وَرِثَهُ، وَإِنْ قَالَ قَتَلْته وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي عَلَى الْبَاطِلِ لَمْ يَرِثْهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَرِثُ الْبَاغِي فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَأَصْلُهُ أَنَّ الْعَادِلَ إذَا أَتْلَفَ نَفْسَ الْبَاغِي أَوْ مَالَهُ لَا يَضْمَنُ وَلَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقِتَالِهِمْ دَفْعًا لِشَرِّهِمْ، وَالْبَاغِي إذَا قَتَلَ الْعَادِلَ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عِنْدَنَا وَيَأْثَمُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: إنَّهُ يَجِبُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا تَابَ الْمُرْتَدُّ، وَقَدْ أَتْلَفَ نَفْسًا أَوْ مَالًا. لَهُ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مَعْصُومًا أَوْ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً فَيَجِبُ الضَّمَانُ اعْتِبَارًا بِمَا قَبْلَ الْمَنَعَةِ. وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ.

كَانَ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ قَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ دِيَةٌ، وَلَا قِصَاصٌ إذَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا يُبَاحُ قَتْلُهَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَادِلَ إذَا قَتَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلَمَّا كَانَ مُبَاحَ الْقَتْلِ لَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِالْوِلَايَةِ وَهِيَ بِالْمَنَعَةِ وَلَا وِلَايَةَ لِإِمَامِنَا عَلَيْهِمْ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ وَصَارَ (كَالْقَتْلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُقْتَلُ بِهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمْ كُلُّ مَوْضِعٍ تَجِبُ فِيهِ الْعِبَادَاتُ فِي أَوْقَاتِهَا فَهُوَ كَدَارِ الْعَدْلِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى مِصْرٍ) مِنْ أَمْصَارِ أَهْلِ الْعَدْلِ (فَقَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ رَجُلًا مِنْهُمْ عَمْدًا ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى ذَلِكَ الْمِصْرِ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إنَّهُمْ غَلَبُوا وَلَمْ يَجْرِ فِيهَا حُكْمُهُمْ بَعْدُ حَتَّى أَزْعَجَهُمْ إمَامُ الْعَدْلِ عَنْ أَهْلِ الْمِصْرِ: أَيْ أَخْرَجَهُمْ قَبْلَ تَقَرُّرِ حُكْمِهِمْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ تَنْقَطِعْ وِلَايَةُ الْإِمَامِ فَوَجَبَ الْقَوَدُ، أَمَّا لَوْ جَرَتْ أَحْكَامُهُمْ حَتَّى صَارَتْ فِي حُكْمِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِمْ فَلَا قَوَدَ وَلَا قِصَاصَ، وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ عَذَابَ الْآخِرَةِ.

(قَوْلُهُ: وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ بَاغِيًا فَإِنَّهُ يَرِثُهُ) بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهِ فَلَا يَحْرُمُ الْمِيرَاثُ بِهِ (وَإِنْ قَتَلَ الْبَاغِي) الْعَادِلَ (وَقَالَ: كُنْت عَلَى الْحَقِّ وَأَنَا الْآنَ عَلَى الْحَقِّ وَرِثَهُ)، وَإِنْ قَالَ قَتَلْته وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي عَلَى الْبَاطِلِ لَمْ يَرِثْهُ. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَرِثُ الْبَاغِي) الْعَادِلَ (فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَأَصْلُهُ) أَيْ أَصْلُ هَذَا الْخِلَافِ الْخِلَافُ فِي (أَنَّ الْعَادِلَ إذَا أَتْلَفَ نَفْسَ الْبَاغِي أَوْ مَالَهُ لَا يَضْمَنُ) عِنْدَنَا (وَلَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقِتَالِهِمْ) دَفْعًا لِشَرِّهِمْ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ (وَالْبَاغِي إذَا قَتَلَ الْعَادِلَ) بَعْدَ قِيَامِ مَنَعَتِهِمْ وَشَوْكَتِهِمْ (لَا يَجِبُ الضَّمَانُ) عَلَيْهِ (عِنْدَنَا) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ، وَلَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ اُقْتُصَّ مِنْهُ اتِّفَاقًا وَكَذَا يَضْمَنُونَ الْمَالَ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ يَضْمَنُ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ؛ لِأَنَّهَا نُفُوسٌ وَأَمْوَالٌ مَعْصُومَةٌ فَتُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ تَابَ الْمُرْتَدُّ وَقَدْ أَتْلَفَ نَفْسًا أَوْ مَالًا. وَلَنَا أَنَّهُ)

إتْلَافٌ مِمَّنْ لَمْ يَعْتَقِدْ وُجُوبَ الضَّمَانِ فِي حَالِ عَدَمِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ عَلَيْهِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ قِيَاسًا عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفْيَ الضَّمَانِ مَنُوطٌ بِالْمَنَعَةِ مَعَ التَّأْوِيلِ، فَلَوْ تَجَرَّدَتْ الْمَنَعَةُ عَنْ التَّأْوِيلِ كَقَوْمٍ غَلَبُوا عَلَى أَهْلِ بَلْدَةٍ فَقَتَلُوا وَاسْتَهْلَكُوا الْأَمْوَالَ بِلَا تَأْوِيلٍ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ أُخِذُوا بِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَلَوْ انْفَرَدَ التَّأْوِيلُ عَنْ الْمَنَعَةِ بِأَنْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ فَقَتَلُوا وَأَخَذُوا عَنْ تَأْوِيلٍ ضَمِنُوا إذَا تَابُوا أَوْ قُدِرَ عَلَيْهِمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ (إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ) قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>