وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَنْ تَأْوِيلٍ فَاسِدٍ، وَالْفَاسِدُ مِنْهُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ إذَا ضُمَّتْ إلَيْهِ الْمَنَعَةُ فِي حَقِّ الدَّفْعِ كَمَا فِي مَنَعَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَتَأْوِيلِهِمْ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْإِلْزَامِ أَوْ الِالْتِزَامِ، وَلَا الْتِزَامَ لِاعْتِقَادِ الْإِبَاحَةِ عَنْ تَأْوِيلٍ، وَلَا إلْزَامَ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ لِوُجُودِ الْمَنَعَةِ، وَالْوِلَايَةُ بَاقِيَةٌ قَبْلَ الْمَنَعَةِ وَعِنْدَ عَدَمِ التَّأْوِيلِ ثَبَتَ الِالْتِزَامُ اعْتِقَادًا، بِخِلَافِ الْإِثْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنَعَةَ فِي حَقِّ الشَّارِعِ، إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: قَتْلُ الْعَادِلِ الْبَاغِيَ قَتْلٌ بِحَقٍّ فَلَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ. وَلِأَبِي يُوسُفَ ﵀ فِي قَتْلِ الْبَاغِي الْعَادِلَ أَنَّ التَّأْوِيلَ الْفَاسِدَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الدَّفْعِ وَالْحَاجَةُ هَاهُنَا إلَى اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ فَلَا يَكُونُ التَّأْوِيلُ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ. وَلَهُمَا فِيهِ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى دَفْعِ الْحِرْمَانِ أَيْضًا، إذْ الْقَرَابَةُ سَبَبُ الْإِرْثِ فَيُعْتَبَرُ الْفَاسِدُ فِيهِ، إلَّا أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ بَقَاءَهُ عَلَى دِيَانَتِهِ، فَإِذَا قَالَ: كُنْت عَلَى الْبَاطِلِ لَمْ يُوجَدْ الدَّافِعُ فَوَجَبَ الضَّمَانُ.
قَالَ (وَيُكْرَهُ بَيْعُ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ وَفِي عَسَاكِرِهِمْ)؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ (وَلَيْسَ بِبَيْعِهِ بِالْكُوفَةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ بَأْسٌ)؛ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ فِي الْأَمْصَارِ لِأَهْلِ الصَّلَاحِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ بَيْعُ نَفْسِ السِّلَاحِ لَا بَيْعُ مَا لَا يُقَاتَلُ بِهِ إلَّا بِصَنْعَةٍ
أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ هِشَامٍ كَتَبَ إلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مِنْ عِنْدِ زَوْجِهَا وَشَهِدَتْ عَلَى قَوْمِهَا بِالشِّرْكِ وَلَحِقَتْ بِالْحَرُورِيَّةِ فَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ إنَّهَا رَجَعَتْ إلَى أَهْلِهَا تَائِبَةً، قَالَ: فَكَتَبَ إلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْفِتْنَةَ الْأُولَى ثَارَتْ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّه ﷺ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا كَثِيرٌ فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ لَا يُقِيمُوا عَلَى أَحَدٍ حَدًّا فِي فَرْجٍ اسْتَحَلُّوهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَلَا قِصَاصًا فِي دَمٍ اسْتَحَلُّوهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَلَا بِرَدِّ مَالٍ اسْتَحَلُّوهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، إلَّا أَنْ يُوجَدَ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ فَيُرَدَّ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تُرَدَّ إلَى زَوْجِهَا وَأَنْ يُحَدَّ مَنْ افْتَرَى عَلَيْهَا.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَنْ تَأْوِيلٍ فَاسِدٍ وَالْفَاسِدُ مِنْ التَّأْوِيلِ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ إذَا ضُمَّتْ إلَيْهِ الْمَنَعَةُ فِي حَقِّ الدَّافِعِ) أَيْ نَفْيُ الضَّمَانِ وَصَارَ (كَمَا فِي مَنَعَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَتَأْوِيلِهِمْ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الِاعْتِبَارَ وَهُوَ إلْحَاقُ الْفَاسِدِ مِنْ الِاجْتِهَادِ الَّذِي لَمْ يُسَوَّغْ حَتَّى ضُلِّلَ مُرْتَكِبُهُ بِالصَّحِيحِ بِشَرْطِ انْضِمَامِ الْمَنَعَةِ إلَيْهِ، وَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ عِنْدَ انْضِمَامِ الْمَنَعَةِ تَنْقَطِعُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ فَيَلْزَمُ السُّقُوطُ كُلُّهُ مُسْتَنِدًا إلَى الْإِجْمَاعِ الْمَنْقُولِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْعَجْزِ عَنْ الْإِلْزَامِ سُقُوطُهُ شَرْعًا، بَلْ إنَّمَا يَلْزَمُ سُقُوطُ الْخِطَابِ بِهِ مَا دَامَ الْعَجْزُ عَنْ إلْزَامِهِ ثَابِتًا، فَإِذَا ثَبَتَتْ الْقُدْرَةُ تَعَلَّقَ خِطَابُ الْإِلْزَامِ كَمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْإِجْمَاعُ الْمَنْقُولُ فِي صُورَةٍ مُقَيَّدَةٍ بِمَا ذَكَرْنَا كَانَ ذَلِكَ أَصْلًا شَرْعِيًّا ضَرُورَةَ الْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ. إذَا عَرَفْت هَذَا فَيَقُولُ أَبُو يُوسُفَ: إلْحَاقُ التَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ بِالصَّحِيحِ بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ كَانَ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ، وَالْحَاجَةُ هُنَا إلَى إثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِلْحَاقُهُ بِهِ بِلَا دَلِيلٍ، وَهُمَا يَقُولَانِ الْمُتَحَقِّقُ مِنْ الصَّحَابَةِ جَعَلَ تِلْكَ الْمَنَعَةَ وَالِاعْتِقَادَ دَافِعًا مَا لَوْلَاهُ لَثَبَتَ لِثُبُوتِ أَسْبَابِ الثُّبُوتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْلَا تِلْكَ الْمَنَعَةُ وَالِاعْتِقَادُ لَثَبَتَ الضَّمَانُ لِثُبُوتِ سَبَبِهِ مِنْ الْقَتْلِ عَمْدًا، وَإِتْلَافِ الْمَالِ الْمَعْصُومِ فَيَتَنَاوَلُ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ الْقَرَابَةَ الَّتِي هِيَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ قَائِمَةٌ، وَالْقَتْلُ بِغَيْرِ حَقٍّ مَانِعٍ وُجِدَ عَنْ اعْتِقَادِ الْحَقِّيَّةِ مَعَ الْمَنَعَةِ فَمُنِعَ مُقْتَضَاهُ مِنْ الْمَنْعِ فَعَمِلَ السَّبَبُ عَمَلَهُ مِنْ إثْبَاتِ الْمِيرَاثِ.
(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ بَيْعُ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ وَفِي عَسْكَرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَلَيْسَ بِبَيْعِهِ بِالْكُوفَةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ بَأْسٌ؛ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ فِي الْأَمْصَارِ لِأَهْلِ الصَّلَاحِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ بَيْعُ نَفْسِ السِّلَاحِ)؛ لِأَنَّهُ يُقَاتَلُ بِعَيْنِهِ (لَا مَا لَا يُقَاتَلُ بِهِ إلَّا بِصَنْعَةٍ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute