للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَفَرْضُهُ إصَابَةُ جِهَتِهَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ.

(وَمَنْ كَانَ خَائِفًا يُصَلِّي إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ)

هَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَنْ كَانَ بِمُعَايَنَةِ الْكَعْبَةِ فَالشَّرْطُ إصَابَةُ عَيْنِهَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِمُعَايَنَتِهَا فَالشَّرْطُ إصَابَةُ جِهَتِهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ الْبُخَارِيُّ: هَذَا عَلَى التَّقْرِيبِ، وَإِلَّا فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْكَعْبَةَ قِبْلَةُ الْعَالَمِ انْتَهَى.

وَعِنْدِي فِي جَوَازِ التَّحَرِّي مَعَ إمْكَانِ صُعُودِهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ، وَتَرْكُ الْقَاطِعِ مَعَ إمْكَانِهِ لَا يَجُوزُ، وَمَا أَقْرَبُ قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَالِاسْتِخْبَارُ فَوْقَ التَّحَرِّي فَإِذَا امْتَنَعَ الْمَصِيرُ إلَى ظَنِّيٍّ لِإِمْكَانِ ظَنِّيٍّ أَقْوَى مِنْهُ فَكَيْفَ يُتْرَكُ الْيَقِينُ مَعَ إمْكَانِهِ بِالظَّنِّ (قَوْلُهُ إصَابَةُ جِهَتِهَا) فِي الدِّرَايَةِ عَنْ شَيْخِهِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ اسْتِقْبَالَ الْجِهَةِ أَنْ يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ سَطْحِ الْوَجْهِ مُسَامِتًا لِلْكَعْبَةِ أَوْ لِهَوَائِهَا لِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ لَا تَزُولُ بِمَا يَزُولُ بِهِ مِنْ الِانْحِرَافِ لَوْ كَانَتْ فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ، وَيَتَفَاوَتُ ذَلِكَ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ الْبَعْدِ وَتَبْقَى الْمُسَامَتَةُ مَعَ انْتِقَالٍ مُنَاسِبٍ لِذَلِكَ الْبُعْدِ، فَلَوْ فُرِضَ خَطٌّ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِ الْمُسْتَقْبِلِ لِلْكَعْبَةِ عَلَى التَّحْقِيقِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَخَطٌّ آخَرُ يَقْطَعُهُ عَلَى زَاوِيَتَيْنِ قَائِمَتَيْنِ مِنْ جَانِبِ يَمِينِ الْمُسْتَقْبِلِ أَوْ شِمَالِهِ لَا تَزُولُ تِلْكَ الْمُقَابَلَةُ وَالتَّوَجُّهُ بِالِانْتِقَالِ إلَى الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ عَلَى ذَلِكَ الْخَطِّ بِفَرَاسِخَ كَثِيرَةٍ، وَلِذَا وَضَعَ الْعُلَمَاءُ قِبْلَةَ بَلَدٍ وَبَلَدَيْنِ وَثَلَاثٍ عَلَى سَمْتٍ وَاحِدٍ، فَجَعَلُوا قِبْلَةَ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ وَنَسَفَ وَتِرْمِذَ وَبَلْخَ وَمَرْوٍ وَسَرْخَسَ مَوْضِعَ الْغُرُوبِ إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ فِي آخِرِ الْمِيزَانِ وَأَوَّلِ الْعَقْرَبِ كَمَا اقْتَضَتْهُ الدَّلَائِلُ الْمَوْضُوعَةُ لِمَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ، وَلَمْ يُخْرِجُوا لِكُلِّ بَلْدَةٍ سَمْتًا لِبَقَاءِ الْمُقَابَلَةِ وَالتَّوَجُّهِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمَسَافَةِ.

وَفِي الْفَتَاوَى: الِانْحِرَافُ الْمُفْسِدُ أَنْ يُجَاوِزَ الْمَشَارِقَ إلَى الْمَغَارِبِ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْجُرْجَانِيِّ إنَّ الْعَيْنَ فَرْضُ الْغَائِبِ أَيْضًا لِأَنَّهُ الْمَأْمُورُ بِهِ وَلَا فَصْلَ فِي النَّصِّ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةٍ عَيَّنَهَا، فَعِنْدَهُ يُشْتَرَطُ وَعِنْدَ غَيْرِهِ لَا.

(قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ خَائِفًا) مِنْ سَبْعٍ أَوْ عَدُوٍّ أَوْ كَانَ فِي الْبَحْرِ عَلَى خَشَبَةٍ يَخَافُ الْغَرَقَ إنْ تَوَجَّهَ، أَوْ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّوَجُّهِ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ مِنْ يُوَجِّهُهُ يُصَلِّي إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الدَّابَّةِ بِخِلَافِ النُّزُولِ لِلطِّينِ وَالرَّدْغَةِ يَسْتَقْبِلُ.

قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَعِنْدِي هَذَا إذَا كَانَتْ وَاقِفَةً، فَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كَوْنِهِ لَوْ وَقَفَهَا لِلصَّلَاةِ خَافَ الِانْقِطَاعَ عَنْ الرُّفْقَةِ أَوْ لَا يَخَافُ، فَلَا يَجُوزُ فِي الثَّانِي إلَّا أَنْ يُوقِفَهَا وَيَسْتَقْبِلَ كَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّيَمُّمِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ مَضَى إلَى الْمَاءِ تَذْهَبُ الْقَافِلَةُ وَيَنْقَطِعُ جَازَ وَإِلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>