لِتَحَقُّقِ الْعُذْرِ فَأَشْبَهَ حَالَةَ الِاشْتِبَاهِ (فَإِنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْهَا اجْتَهَدَ وَصَلَّى) «لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - تَحَرَّوْا وَصَلَّوْا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﵊»، وَلِأَنَّ الْعَمَلَ بِالدَّلِيلِ الظَّاهِرِ وَاجِبٌ عِنْدَ انْعِدَامِ دَلِيلٍ فَوْقَهُ،
ذَهَبَ إلَى الْمَاءِ وَاسْتَحْسَنُوهَا (قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَكَانِ مَنْ يَسْأَلُهُ لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي، وَكَذَا لَا يَجُوزُ مَعَ الْمَحَارِيبِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمَكَانِ وَلَا عَالِمًا بِالْقِبْلَةِ أَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ لَا مِحْرَابَ لَهُ أَوْ سَأَلَهُمْ فَلَمْ يُخْبِرُوهُ تَحَرَّى.
وَفِي قَوْلِهِ لَيْسَ بِحَضْرَتِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ طَلَبُ مَنْ يَسْأَلُهُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ كَذَا، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْمَسْجِدَ قَوْمًا مِنْ أَهْلِهِ مُقِيمِينَ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا حَاضِرِينَ فِيهِ وَقْتَ دُخُولِهِ وَهُمْ حَوْلَهُ فِي الْقَرْيَةِ وَجَبَ طَلَبُهُمْ لِيَسْأَلَهُمْ قَبْلَ التَّحَرِّي، لِأَنَّ التَّحَرِّيَ مُعَلَّقٌ بِالْعَجْزِ عَنْ تَعَرُّفِ الْقِبْلَةِ بِغَيْرِهِ، عَلَّلَ مُحَمَّدٌ ﵀ بِمَا قُلْنَا، قَالَ: رَجُلٌ دَخَلَ الْمَسْجِدَ الَّذِي لَا مِحْرَابَ لَهُ وَقِبْلَتُهُ مُشْكَلَةٌ وَفِيهِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِهِ فَتَحَرَّى الْقِبْلَةَ وَصَلَّى ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ لِأَنَّهُ كَانَ يَقْدِرُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الْقِبْلَةِ فَيَعْلَمَهَا وَيُصَلِّيَ بِغَيْرِ تَحَرٍّ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّحَرِّي إذَا عَجَزَ عَنْ تَعَلُّمِهِ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ اجْتَهَدَ) حَكَمَ الْمَسْأَلَةَ فَلَوْ صَلَّى مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ بِلَا تَحَرٍّ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ إلَّا إنْ عَلِمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ، لِأَنَّ مَا افْتَرَضَ لِغَيْرِهِ يَشْتَرِطُ حُصُولُهُ لَا غَيْرُ كَالسَّعْيِ، وَإِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ أَصَابَ يَسْتَقْبِلُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْنِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَ اسْتَقْبَلَ بِهَذِهِ الْجِهَةِ فَلَا فَائِدَةَ.
قُلْنَا: حَالَتُهُ قُوِّيَتْ بِالْعِلْمِ، وَبِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ لَا يَجُوزُ فَصَارَ كَالْأُمِّيِّ إذَا تَعَلَّمَ سُورَةً، وَالْمُومِئُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْأَرْكَانِ فِيهَا تَفْسُدُ وَبَعْدَهَا تَصِحُّ، أَمَّا لَوْ تَحَرَّى وَصَلَّى إلَى غَيْرِ جِهَةِ التَّحَرِّي لَا يُجْزِئُهُ وَإِنْ أَصَابَ مُطْلَقًا، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ﵀ وَهِيَ مُشْكِلَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّ تَعْلِيلَهُمَا فِي هَذِهِ وَهُوَ أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي حَقِّهِ جِهَةُ التَّحَرِّي وَقَدْ تَرَكَهَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ مُطْلَقًا فِي صُورَةِ تَرْكِ التَّحَرِّي، لِأَنَّ تَرْكَ جِهَةِ التَّحَرِّي يَصْدُقُ مَعَ تَرْكِ التَّحَرِّي وَتَعْلِيلُهُمَا فِي تِلْكَ بِأَنَّ مَا فُرِضَ لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ مُجَرَّدُ حُصُولِهِ كَالسَّعْيِ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فِي هَذِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ طَاهِرٌ، أَوْ صَلَّى وَعِنْدَهُ أَنَّهُ مُحْدِثٌ فَظَهَرَ أَنَّهُ مُتَوَضِّئٌ، أَوْ صَلَّى الْفَرْضَ وَعِنْدَهُ أَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ فَظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ دَخَلَ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا حُكِمَ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ تَحَرِّيهِ فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا إذَا ظَهَرَ خِلَافُهُ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَجْرِي فِي مَسْأَلَةِ الْعُدُولِ عَنْ جِهَةِ التَّحَرِّي إذَا ظَهَرَ صَوَابُهُ.
وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ الَّذِي أَوْرَدَهُ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ عَلَى الْفَسَادِ هُوَ التَّحَرِّي أَوْ اعْتِقَادُ الْفَسَادِ عَنْ التَّحَرِّي، فَإِذَا حَكَمَ بِالْفَسَادِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ لَزِمَ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي صُورَةِ تَرْكِ التَّحَرِّي فَكَانَ ثُبُوتُ الْفَسَادِ فِيهَا قَبْلَ ظُهُورِ الصَّوَابِ إنَّمَا هُوَ لِمُجَرَّدِ اعْتِقَادِهِ الْفَسَادَ مُؤَاخَذَةً بِاعْتِقَادِهِ الَّذِي هُوَ لَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute