وَالِاسْتِخْبَارُ فَوْقَ التَّحَرِّي (فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ بَعْدَ مَا صَلَّى لَا يُعِيدُهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: يُعِيدُهَا إذَا اسْتَدْبَرَ لِتَيَقُّنِهِ بِالْخَطَأِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: لَيْسَ فِي وُسْعِهِ التَّوَجُّهُ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي
بِدَلِيلٍ إذْ لَمْ يَكُنْ عَنْ تَحَرٍّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ: تَحَرَّى فَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ قِيلَ يُؤَخِّرُ، وَقِيلَ يُصَلِّي إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ، وَقِيلَ يُخَيِّرُ، هَذَا كُلُّهُ إذَا اشْتَبَهَ، فَإِنْ صَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ إلَى جِهَةٍ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا تَحَرٍّ، إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ أَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ حَالِهِ شَيْءٌ حَتَّى ذَهَبَ عَنْ الْمَوْضِعِ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ أَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ (قَوْلُهُ وَالِاسْتِخْبَارُ فَوْقَ التَّحَرِّي) فَيَتْرُكُ بِهِ التَّحَرِّيَ، فَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ الْمُسْتَخْبَرُ حِينَ سَأَلَهُ فَصَلَّى بِالتَّحَرِّي ثُمَّ أَخْبَرَهُ لَا يُعِيدُ لَوْ كَانَ مُخْطِئًا، وَبِنَاءً عَلَى هَذَا ذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ: تَحَرَّى فَأَخْطَأَ فَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ عَلِمَ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ فِي صَلَاتِهِ وَقَدْ عَلِمَ حَالَتَهُ الْأُولَى لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الدَّاخِلِ لِعِلْمِهِ أَنَّ الْإِمَامَ كَانَ عَلَى الْخَطَإِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ انْتَهَى.
وَلَوْ كَانَ شُرُوعُ الْكُلِّ بِالتَّحَرِّي وَفِيهِمْ مَسْبُوقٌ وَلَاحِقٌ فَلَمَّا فَرَغَ الْإِمَامُ قَامَا إلَى الْقَضَاءِ فَظَهَرَ لَهُمَا خِلَافُ مَا كَانُوا رَأَوْا أَمْكَنَ الْمَسْبُوقُ إصْلَاحَ صَلَاتِهِ هُنَا بِأَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى الْقِبْلَةِ دُونَ اللَّاحِقِ، كَذَا فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ.
وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَوَّلًا هُوَ مَا عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ «كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ، فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا عَلَى حِيَالِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَاهُ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَنَزَلَتْ ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾» ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَآخَرُونَ.
وَعَنْ جَابِرٍ «كُنَّا فِي مَسِيرٍ فَأَصَابَنَا غَيْمٌ فَتَحَيَّرْنَا فِي الْقِبْلَةِ، فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا عَلَى حِدَةٍ، وَجَعَلَ أَحَدُنَا يَحُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا فَإِذَا نَحْنُ قَدْ صَلَّيْنَا لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: قَدْ أُجِيزَتْ صَلَاتُكُمْ» ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ هُوَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ فِيهِ فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً فَنَادَى: أَلَّا إنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ، فَمَالُوا كَمَا هُمْ نَحْوَ الْكَعْبَةِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ تَيَقُّنَ الْخَطَأِ ثَابِتٌ فِي تَوَجُّهِهِ إلَى جِهَةِ الْيَمْنَةِ وَالْيَسْرَةِ، فَجَعْلُهُ الْمَدَارِ يُوجِبُ الْإِعَادَةَ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا نَعَمْ فِي الِاسْتِدْبَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute