وَالتَّكْلِيفُ مُقَيَّدٌ بِالْوُسْعِ (وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ اسْتَدَارَ إلَى الْقِبْلَةِ وَبَنَى عَلَيْهِ) لِأَنَّ أَهْلَ قَبَاءِ لَمَّا سَمِعُوا بِتَحَوُّلِ الْقِبْلَةِ اسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ فِي الصَّلَاةِ، وَاسْتَحْسَنَهُ النَّبِيُّ ﵊، وَكَذَا إذَا تَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى تَوَجَّهَ إلَيْهَا لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ غَيْرِ نَقْضِ الْمُؤَدَّى قَبْلَهُ. قَالَ (وَمَنْ أَمَّ قَوْمًا فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَتَحَرَّى الْقِبْلَةَ وَصَلَّى إلَى الْمَشْرِقِ وَتَحَرَّى مَنْ خَلْفَهُ فَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى جِهَةٍ وَكُلُّهُمْ خَلْفَهُ وَلَا يَعْلَمُونَ مَا صَنَعَ الْإِمَامُ أَجْزَأَهُمْ) لِوُجُودِ التَّوَجُّهِ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي، وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ غَيْرُ مَانِعَةٍ كَمَا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ (وَمَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ بِحَالِ إمَامِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَإِ (وَكَذَا لَوْ كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ) لِتَرْكِهِ فَرْضِ الْمَقَامِ
تَمَامُ الْبُعْدِ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ.
وَالْوَجْهُ الَّذِي يَظْهَرُ مُؤْثِرًا تَرْكَ الْجِهَةِ اسْتِدْبَارًا أَوْ غَيْرَهُ، فَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنْ يَقُولَ بِشُمُولِ الْعَدَمِ، هَذَا. وَقَدْ قَاسَ عَلَى ظُهُورِ نَجَاسَةِ ثَوْبٍ صَلَّى فِيهِ أَوْ مَاءٍ تَوَضَّأَ بِهِ حَيْثُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ اتِّفَاقًا.
وَالْجَوَابُ بِالْفَرْقِ بِإِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَى الصَّوَابِ بِالِاسْتِقْصَاءِ ثَمَّةَ نَظَرًا إلَى قِيَامِ الدَّلِيلِ وَهُوَ قِيَامُ إحْسَاسِهِ بِهِمَا وَإِمْكَانُ الِاسْتِقْصَاءِ فِي صَوْنِهِمَا، أَمَّا هُنَا فَالدَّلِيلُ هُوَ رُؤْيَةُ النَّجْمِ مُنْعَدِمٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِصَابَةُ عَنْ الدَّلِيلِ فَلَمْ يَتَّجِهْ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ نِسْبَتُهُ إلَى تَقْصِيرٍ، بِخِلَافِ صُورَةِ قِيَامِ الدَّلِيلِ.
وَأَيْضًا الْقِبْلَةُ قَبِلَتْ التَّحَوُّلَ شَرْعًا مِنْ الشَّامِ إلَى الْكَعْبَةِ عَيْنِهَا ثُمَّ جِهَتِهَا ثُمَّ جِهَةِ التَّحَرِّي عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ وَلَا إعَادَةَ بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ قَبُولُهُمَا التَّحَوُّلَ شَرْعًا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute