للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ عَاجِزٌ عَنْ التَّكَسُّبِ، وَلَا مَالَ لَهُ وَلَا قَرَابَةَ فَأَشْبَهَ الْمُقْعَدَ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ وَلَا قَرَابَةَ؛ وَلِأَنَّ مِيرَاثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَالْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَلِهَذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ فِيهِ. وَالْمُلْتَقِطُ مُتَبَرِّعٌ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِهِ لِيَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ لِعُمُومِ الْوِلَايَةِ.

قَالَ (فَإِنْ الْتَقَطَهُ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ)؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ حَقُّ الْحِفْظِ لَهُ لِسَبْقِ يَدِهِ (فَإِنْ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّهُ ابْنُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ).

صَالِحٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ لَيْسَتْ عَلَى أَوْضَاعِ الْبَيِّنَاتِ فَإِنَّهَا لَمْ تَقُمْ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ، وَإِنَّمَا كَانَتْ لِيَتَرَجَّحَ صِدْقُهُ فِي إخْبَارِهِ بِالِالْتِقَاطِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: هَذِهِ لِكَشْفِ الْحَالِ وَالْبَيِّنَةُ لِكَشْفِ الْحَالِ مَقْبُولَةٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى خَصْمٍ.

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ إذَا أُتِيَ بِلَقِيطٍ فَرَضَ لَهُ مَا يُصْلِحُهُ رِزْقًا يَأْخُذُهُ وَلِيُّهُ كُلَّ شَهْرٍ وَيُوصِي بِهِ خَيْرًا، وَيَجْعَلُ رَضَاعَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَنَفَقَتَهُ.

وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي ثَابِتِ بْنِ ذُهْلِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَجَدَ لَقِيطًا فَأَتَى بِهِ إلَى عَلِيٍّ فَأَلْحَقَهُ عَلِيٌّ عَلَى مَالِهِ (وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ عَاجِزٌ عَنْ الْكَسْبِ وَلَا مَالَ لَهُ وَلَا قَرَابَةَ) أَغْنِيَاءَ لِتَجِبَ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ فَكَانَتْ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَالْمُقْعَدِ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ؛ وَلِأَنَّ مِيرَاثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ (وَالْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ) أَيْ لِبَيْتِ الْمَالِ غُنْمُهُ: أَيْ مِيرَاثُهُ وَدَيْنُهُ، حَتَّى لَوْ وُجِدَ اللَّقِيطُ قَتِيلًا فِي مَحَلَّةٍ كَانَتْ عَلَى أَهْلِ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ دِيَتُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَعَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ، وَكَذَا إذَا قَتَلَهُ الْمُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ قَتَلَهُ عَمْدًا فَالْخِيَارُ إلَى الْإِمَامِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي مِثْلِهِ فَعَلَيْهِ غُرْمُهُ (وَلِهَذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) وَبَدَأَ مُحَمَّدٌ بِحَدِيثِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا الْتَقَطَ لَقِيطًا فَأَتَى بِهِ عَلِيًّا فَقَالَ: هُوَ حُرٌّ، وَلَأَنْ أَكُونَ وَلَّيْتُ مِنْ أَمْرِهِ مِثْلَ الَّذِي وَلَّيْتَ مِنْهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا. فَحَرَّضَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَأْخُذْهُ مِنْهُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ، وَهِيَ الْإِمَامَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُلْتَقِطِ إلَّا بِسَبَبٍ يُوجِبُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ يَدَهُ سَبَقَتْ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُلْتَقِطُ مُتَبَرِّعٌ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ) عَلَى أَنْ يَلْحَقَهُ الدَّيْنُ؛ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ إذَا كَبُرَ وَاكْتَسَبَ (إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِهِ لِيَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ) يَعْنِي بِهَذَا الْقَيْدِ بِأَنْ يَقُولَ: أَنْفِقْ عَلَيْهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ. وَظَاهِرُ الْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ إلَى آخِرِهِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ وَلَمْ يَقُلْ لِيَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ إنَّمَا يُوجِبُ ظَاهِرًا تَرْغِيبَهُ فِي إتْمَامِ الِاحْتِسَابِ وَتَحْصِيلِ الثَّوَابِ. وَقِيلَ يُوجِبُ لَهُ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي كَأَمْرِ اللَّقِيطِ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ كَبِيرًا (لِعُمُومِ وِلَايَةِ الْقَاضِي) فَإِذَا أَنْفَقَ بِالْأَمْرِ الَّذِي يُصَيِّرُهُ دَيْنًا عَلَيْهِ فَبَلَغَ فَادَّعَى أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ كَذَا فَإِنْ صَدَّقَهُ اللَّقِيطُ رَجَعَ بِهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ اللَّقِيطِ وَعَلَى الْمُلْتَقِطِ الْبَيِّنَةُ.

(قَوْله فَإِنْ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّهُ ابْنُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ:) وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعْنَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>