وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ وَادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ وَهُوَ الْأَخْذُ لِمَالِكِهِ وَفِيهِ وَقَعَ الشَّكُّ فَلَا يَبْرَأُ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الظَّاهِرِ يُعَارِضُهُ مِثْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَصَرِّفُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَيَكْفِيهِ فِي الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَنْشُدُ لُقَطَةً فَدُلُّوهُ عَلَيَّ وَاحِدَةً كَانَتْ اللُّقَطَةُ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ.
فَأَقَلُّ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ مَشْكُوكًا فِي أَنَّهُ أَخَذَهُ لَهُ أَوْ لِنَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ (وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ وَادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ وَهُوَ الْأَخْذُ لِمَالِكِهِ، وَفِيهِ وَقَعَ الشَّكُّ فَلَا يَبْرَأُ. وَمَا ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ مِنْ الظَّاهِرِ يُعَارِضُهُ مِثْلُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ كَوْنُ التَّصَرُّفِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ)
فَإِنْ قَالَ كَوْنُ أَخْذِ الْمَالِ سَبَبًا لِلضَّمَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِ الشَّرْعِ فَأَمَّا بِإِذْنِهِ فَمَمْنُوعٌ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ هَذَا الْأَخْذَ سَبَبُ الضَّمَانِ لَمْ يَقَعْ الشَّكُّ فِي الْبَرَاءَةِ بَعْدَ ثُبُوتِ سَبَبِ الضَّمَانِ حَتَّى يَنْفَعَ مَا ذَكَرْتُمْ.
فَالْجَوَابُ أَنَّ إذْنَ الشَّرْعِ مُقَيَّدٌ بِالْإِشْهَادِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ «مَنْ أَصَابَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ» وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا أَمْكَنَهُ الْإِشْهَادُ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ عِنْدَ الرَّفْعِ أَوْ خَافَ أَنَّهُ إنْ أَشْهَدَ أَخَذَهَا مِنْهُ ظَالِمٌ فَتَرَكَهُ لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ كَوْنِي مَنَعَنِي مِنْ الْإِشْهَادِ كَذَا (قَالَ: وَيَكْفِيهِ فِي الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَنْشُدُ ضَالَّةً فَدِلُّوهُ عَلَيَّ) أَوْ عِنْدِي ضَالَّةٌ أَوْ شَيْءٌ فَمَنْ سَمِعْتُمُوهُ إلَى آخِرِهِ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا يَطْلُبُهَا فَقَالَ هَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ اللُّقَطَةِ (وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ) أَيْ اللُّقَطَةَ بِتَأْوِيلِ الْمُلْتَقِطِ (اسْمُ جِنْسٍ) وَلَا يَجِبُ أَنْ يُعَيِّنَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ.
قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: أَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْ التَّعْرِيفِ أَنْ يُشْهِدَ عِنْدَ الْأَخْذِ وَيَقُولَ أَخَذْتهَا لِأَرُدَّهَا، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُعَرِّفْهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَفَى فَجَعَلَ التَّعْرِيفَ إشْهَادًا. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَكْفِيهِ مِنْ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ إلَى آخِرِهِ يُفِيدُ مِثْلَهُ، فَاقْتَضَى هَذَا الْكَلَامُ أَنْ يَكُونَ الْإِشْهَادُ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ هُوَ التَّعْرِيفُ، وَقَوْلُهُ ﵊ «مَنْ أَصَابَ ضَالَّةً فَلْيُشْهِدْ» مَعْنَاهُ فَلْيُعَرِّفْهَا. وَيَكُونُ قَوْلُهُ ذَا عَدْلٍ لِيُفِيدَ عِنْدَ جَحْدِ الْمَالِكِ التَّعْرِيفَ: أَيْ الْإِشْهَادَ. فَإِنَّهُ إذَا اسْتَشْهَدَ ثُمَّ عَرَّفَ بِحَضْرَتِهِ لَا يُقْبَلُ مَا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا، وَإِلَّا فَالتَّعْرِيفُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى مَا بِحَضْرَةِ الْعُدُولِ، وَعَلَى هَذَا فَخِلَافِيَّةُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا لَمْ يُعَرِّفْهَا أَصْلًا حَتَّى ادَّعَى ضَيَاعَهَا وَادَّعَى أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهُ لِيَرُدَّهَا وَأَخَذَهَا كَذَلِكَ.
وَقَوْلُهُمَا إنَّ إذْنَ الشَّرْعِ مُقَيَّدٌ بِالْإِشْهَادِ أَيْ بِالتَّعْرِيفِ، فَإِذَا لَمْ يُعَرِّفْهَا فَقَدْ تَرَكَ مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا فِي الْأَخْذِ وَهُوَ مَعْصِيَةٌ فَكَانَ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ الْإِشْهَادُ: أَيْ التَّعْرِيفُ وَقْتَ الْأَخْذِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْهُ قَبْلَ هَلَاكِهَا لِيُعَرِّفَ بِهِ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا لَا لِنَفْسِهِ، وَحِينَئِذٍ فَمَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَخَذَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَكَانِهَا لَا يَضْمَنُ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِكَوْنِهِ رَدَّهَا فِي مَكَانِهَا أَوْ بَعْدَمَا ذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ بِالرَّدِّ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا لِنَفْسِهِ وَبِهِ يَنْتَفِي الضَّمَانُ عَنْهُ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِمَا إذَا لَمْ يَذْهَبْ بِهَا، فَإِنْ ذَهَبَ بِهَا ثُمَّ أَعَادَهَا ضَمِنَ، وَبَعْضُهُمْ ضَمِنَهُ ذَهَبَ بِهَا أَوْ لَا، وَالْوَجْهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَمَا ذَكَرْنَا لَا يَنْفِي وَجْهَ التَّضْمِينِ بِكَوْنِهِ مُضَيِّعًا مَالَ غَيْرِهِ بِطَرْحِهِ بَعْدَمَا لَزِمَهُ حِفْظُهُ بِالْأَخْذِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute