للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ (فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَرَّفَهَا أَيَّامًا، وَإِنْ كَانَتْ عَشْرَةً فَصَاعِدًا عَرَّفَهَا حَوْلًا) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَوْلُهُ أَيَّامًا مَعْنَاهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى. وَقَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ بِالْحَوْلِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ «مَنْ الْتَقَطَ شَيْئًا فَلْيُعَرِّفْهُ سَنَةً مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ». وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْحَوْلِ وَرَدَ فِي لُقَطَةٍ كَانَتْ مِائَةَ دِينَارٍ تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَالْعَشَرَةُ وَمَا فَوْقَهَا فِي مَعْنَى الْأَلْفِ فِي تَعَلُّقِ الْقَطْعِ بِهِ فِي السَّرِقَةِ وَتَعَلُّقِ اسْتِحْلَالِ الْفَرْجِ بِهِ وَلَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا فِي حَقِّ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ، فَأَوْجَبْنَا التَّعْرِيفَ بِالْحَوْلِ احْتِيَاطًا، وَمَا دُونَ الْعَشَرَةِ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْأَلْفِ بِوَجْهٍ مَا فَفَوَّضْنَا إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ

قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ) اللُّقَطَةُ (أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ عَرَّفَهَا أَيَّامًا) وَفَسَّرَهَا الْمُصَنِّفُ بِحَسَبِ مَا يَرَى مِنْ الْأَيَّامِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ كَانَتْ مِائَتَيْنِ فَصَاعِدًا عَرَّفَهَا حَوْلًا، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْنِ إلَى عَشْرَةٍ عَرَّفَهَا شَهْرًا، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ يُعَرِّفُهَا عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ: فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ إنْ كَانَتْ ثَلَاثَةً فَصَاعِدًا: يَعْنِي إلَى الْعَشَرَةِ يُعَرِّفُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَتْ دِرْهَمًا فَصَاعِدًا: يَعْنِي إلَى ثَلَاثَةٍ يُعَرِّفُهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَتْ دَانِقًا فَصَاعِدًا يُعَرِّفُهَا يَوْمًا، وَإِنْ كَانَتْ دُونَ الدَّانِقِ يَنْظُرُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً ثُمَّ يَضَعُهُ فِي كَفِّ فَقِيرٍ.

قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: شَيْءٌ مِنْ هَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ، بَلْ يُعَرِّفُ الْقَلِيلَ بِقَدْرِ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا أَخْذٌ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَبْلَ هَذَا وَهُوَ جَيِّدٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا قَدَّرَ بِذَلِكَ التَّقْدِيرَاتِ فِي الْقَلِيلِ لِغَلَبَةِ الظَّنِّ أَنَّ الْمَالِكَ فِي تِلْكَ التَّقَادِيرِ لَا يَطْلُبُهَا بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَدِ فَكَانَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ غَلَبَةَ ظَنِّ تَرْكِهَا، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ تَقْدِيرُهُ بِالْحَوْلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لِقَوْلِهِ مَا سَيُذْكَرُ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَجْهُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ «مَنْ الْتَقَطَ شَيْئًا فَلْيُعَرِّفْهُ سَنَةً» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ.

وَفِيهِ أَلْفَاظٌ مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: لَا تَحِلُّ اللُّقَطَةُ، فَمَنْ الْتَقَطَ شَيْئًا فَلْيُعَرِّفْهُ سَنَةً» وَمَعْنَى لَا تَحِلُّ اللُّقَطَةُ: أَيْ لَا يَحِلُّ لِلْمُلْتَقِطِ تَمَلُّكُهَا، وَهَذَا لَا يَتَعَرَّضُ لِلِالْتِقَاطِ نَفْسِهِ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ «سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ اسْتَنْفِقْهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ» (وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْحَوْلِ وَرَدَ فِي لُقَطَةٍ كَانَتْ مِائَةَ دِينَارٍ تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمَ، وَالْعَشَرَةُ فَمَا فَوْقَهَا فِي مَعْنَى الْأَلْفِ شَرْعًا فِي تَعَلُّقِ الْقَطْعِ بِسَرِقَتِهِ وَتَعَلُّقِ اسْتِحْلَالِ الْفَرْجِ بِهِ وَلَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا فِي حَقِّ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ فَأَوْجَبْنَا التَّعْرِيفَ بِالْحَوْلِ) إلْحَاقًا لَهَا بِمَا فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الْمِائَتَيْنِ فَمَا فَوْقَهَا احْتِيَاطًا (وَمَا دُونَ الْعَشَرَةِ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْأَلْفِ شَرْعًا بِوَجْهٍ مَا فَفَوَّضْنَا) التَّعْرِيفَ فِيهَا (إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ) وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَانَتْ مِائَةَ دِينَارٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>