وَإِنْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي بِقَوْلِ الْقَاضِي لَهُ أَنْفِقْ عَلَيْهِ إنْ كُنْت صَادِقًا فِيمَا قُلْت حَتَّى تَرْجِعَ عَلَى الْمَالِكِ إنْ كَانَ صَادِقًا، وَلَا يَرْجِعُ إنْ كَانَ غَاصِبًا.
وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَجَعَلَ النَّفَقَةَ دَيْنًا عَلَى صَاحِبِهَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَالِكِ بَعْدَ مَا حَضَرَ وَلَمْ تُبَعْ اللُّقَطَةُ إذَا شَرَطَ الْقَاضِي الرُّجُوعَ عَلَى الْمَالِكِ، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ (وَإِذَا حَضَرَ) يَعْنِي (الْمَالِكُ فَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْهُ حَتَّى يُحْضِرَ النَّفَقَةَ) لِأَنَّهُ حَيٌّ بِنَفَقَتِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ فَأَشْبَهَ الْمَبِيعَ؛ وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ رَادُّ الْآبِقِ فَإِنَّ لَهُ الْحَبْسَ لِاسْتِيفَاءِ الْجُعَلِ لِمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ لَا يَسْقُطُ دَيْنُ النَّفَقَةِ بِهَلَاكِهِ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ قَبْلَ الْحَبْسِ، وَيَسْقُطُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْحَبْسِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْحَبْسِ شَبِيهَ الرَّهْنِ.
الْإِمَامُ خَصْمٌ فِيهَا عَنْ صَاحِبِهَا (وَإِنْ قَالَ) الْمُلْتَقِطُ (لَا بَيِّنَةَ لِي يَقُولُ لَهُ أَنْفِقْ عَلَيْهَا إنْ كُنْت صَادِقًا) وَفِي الذَّخِيرَةِ: يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ بَيْنَ يَدِي الثِّقَاتِ بِأَنْ يَقُولَ أَمَرْته بِالْبَيْعِ أَوْ الْإِنْفَاقِ إنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ (وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَجَعَلَ النَّفَقَةَ دَيْنًا عَلَى صَاحِبِهَا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ (إذَا شَرَطَ الْقَاضِي) ذَلِكَ (وَهَذَا رِوَايَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ) وَقِيلَ يَرْجِعُ بِمُجَرَّدِ أَمْرِهِ، وَقَدْ مَرَّ فِي اللَّقِيطِ (وَإِذْ حَضَرَ الْمَالِكُ فَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْهُ حَتَّى يُحْضِرَ النَّفَقَةَ لِأَنَّهُ حَيٌّ بِنَفَقَتِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْمِلْكَ مِنْهُ فَأَشْبَهَ الْمَبِيعَ. وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ رَادُّ الْآبِقِ فَإِنَّ لَهُ الْحَبْسَ لِاسْتِيفَاءِ الْجُعَلِ لِمَا ذَكَرْنَا)
مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْمَبِيعِ (وَلَا يَسْقُطُ دَيْنُ النَّفَقَةِ بِهَلَاكِهِ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ قَبْلَ الْحَبْسِ، وَيَسْقُطُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْحَبْسِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْحَبْسِ كَالرَّهْنِ) مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْحَبْسِ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ هَلَكَ بَعْدَهُ سَقَطَ لِأَنَّهُ كَالرَّهْنِ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْحَبْسِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَحَافِظُ الدِّينِ فِي الْكَافِي أَيْضًا، فَيُفْهَمُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ.
وَجَعَلَ الْقُدُورِيُّ هَذَا قَوْلَ زُفَرَ. قَالَ فِي التَّقْرِيبِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَأَنْفَقَ عَلَى اللُّقَطَةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَحَبَسَهَا بِالنَّفَقَةِ فَهَلَكَتْ لَمْ تَسْقُطْ النَّفَقَةُ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهَا دَيْنٌ غَيْرُ بَدَلٍ عَنْ عَيْنٍ وَلَا عَنْ عَمَلٍ مِنْهُ فِيهَا وَلَا يَتَنَاوَلُهَا: أَيْ الْعَيْنَ عَقْدٌ يُوجِبُ الضَّمَانَ. وَصَرَّحَ فِي الْيَنَابِيعِ بِعَدَمِ السُّقُوطِ عَنْ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ فَقَالَ: لَوْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ عَلَى اللُّقَطَةِ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ وَحَبَسَهَا لِيَأْخُذَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا فَهَلَكَتْ لَمْ تَسْقُطْ النَّفَقَةُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ.
وَحَاصِلُ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي التَّقْرِيبِ نَفْيُ الْحُكْمِ: أَعْنِي السُّقُوطَ لِعَدَمِ دَلِيلِ السُّقُوطِ، فَإِنَّ الدَّيْنَ ثَابِتٌ وَلَيْسَتْ الْعَيْنُ الْمُلْتَقَطَةُ رَهْنًا لِيَسْقُطَ بِهَلَاكِهَا إذَا لَمْ يَتَنَاوَلْهَا عَقْدُ الرَّهْنِ. وَالْمُصَنِّفُ أَوْجَدَ الدَّلِيلَ وَهُوَ الْإِلْحَاقُ بِالرَّهْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَقِيقَتِهِ لَكِنَّ النَّقْلَ كَمَا رَأَيْت. وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute