قَالَ (وَلُقَطَةُ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ سَوَاءٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ التَّعْرِيفُ فِي لُقَطَةِ الْحَرَمِ إلَى أَنْ يَجِيءَ صَاحِبُهَا لِقَوْلِهِ ﵊ فِي الْحَرَمِ «وَلَا يَحِلُّ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ» وَلَنَا قَوْلُهُ ﵊: «اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلِأَنَّهَا لُقَطَةٌ، وَفِي التَّصَدُّقِ بَعْدَ مُدَّةِ التَّعْرِيفِ إبْقَاءُ مِلْكِ الْمَالِكِ مِنْ وَجْهٍ فَيَمْلِكُهُ كَمَا فِي سَائِرِهَا، وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الِالْتِقَاطُ إلَّا لِلتَّعْرِيفِ، وَالتَّخْصِيصُ بِالْحُرْمِ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ التَّعْرِيفُ فِيهِ لِمَكَانِ أَنَّهُ لِلْغُرَبَاءِ ظَاهِرًا.
لَيْسَ لَهُ حَبْسُهَا أَصْلًا فَأَبْلَغُ
(قَوْلُهُ وَلُقَطَةُ الْحِلِّ وَالْحَرَامِ سَوَاءٌ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ، وَفِي قَوْلٍ يُعَرِّفُهَا أَبَدًا حَتَّى يَجِيءَ صَاحِبُهَا لَا حُكْمَ لَهَا سِوَى ذَلِكَ مَنْ تَصَدَّقَ وَلَا تُمْلَكُ لِقَوْلِهِ ﷺ فِيمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ «لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ مَكَّةَ قَامَ النَّبِيُّ ﷺ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ» الْحَدِيثَ. الْمُنْشِدُ: الْمُعَرِّفُ، وَالنَّاشِدُ: الطَّالِبُ.
قَالَ الْمُثَقَّبُ:
يَسِيخُ لِلنَّبْأَةِ أَسْمَاعَهُ … إسَاخَةَ الْمُنْشِدِ لِلنَّاشِدِ
وَيُرْوَى يَصِيخُ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ، فَالْفِعْلُ مِنْ الْأَوَّلِ أَنْشَدَ الضَّالَّةَ يَنْشُدُهَا، وَأَنْشَدَهَا إنْشَادًا: إذَا أَعْرَفْتَهَا، وَمِنْ الثَّانِي نَشَدْتهَا أَنْشُدُهَا نَشْدًا وَنِشْدَانًا بِكَسْرِ النُّونِ: إذَا طَلَبْتهَا
(وَلَنَا إطْلَاقُ قَوْلِهِ ﷺ) فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ وَغَيْرِهِ وَسُئِلَ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ (اعْرِفْ عِفَاصَهَا) أَيْ وِعَاءَهَا مِنْ جِلْدٍ أَوْ خِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا (وَوِكَاءَهَا) أَيْ رِبَاطَهَا الَّذِي شُدَّتْ بِهِ وَعَرِّفْهَا سَنَةً وَتَقَدَّمَ، فَإِمَّا أَنْ يَقْضِيَ الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ وَإِمَّا أَنْ يَتَعَارَضَا فَيُحْمَلُ كُلٌّ عَلَى مَحْمَلٍ وَهُوَ أَوْلَى، لَكِنْ لَا تَعَارُضَ لِأَنَّهُ مَعْنَاهُ: لَا يَحِلُّ الِالْتِقَاطُ إلَّا لِمَنْ يُعَرِّفُ وَلَا يَحِلُّ لِنَفْسِهِ.
وَتَخْصِيصُ مَكَّةَ حِينَئِذٍ لِدَفْعِ وَهْمِ سُقُوطِ التَّعْرِيفِ بِهَا بِسَبَبِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا وُجِدَ بِهَا مِنْ لُقَطَةٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِلْغُرَبَاءِ وَقَدْ تَفَرَّقُوا فَلَا يُفِيدُ التَّعْرِيفُ فَيَسْقُطُ كَمَا يَسْقُطُ فِيمَا يَظْهَرُ إبَاحَتُهُ، فَبَيَّنَ ﵊ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ فِي وُجُوبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute