للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا إذَا كَانَ يَدْفَعُهُ إلَيْهِ اسْتِيثَاقًا، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ لِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ التَّكْفِيلِ لِوَارِثٍ غَائِبٍ عِنْدَهُ. وَإِذَا صُدِّقَ قِيلَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ كَالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ إذَا صَدَّقَهُ.

وَقِيلَ يُجْبَرُ لِأَنَّ الْمَالِكَ هَاهُنَا غَيْرُ ظَاهِرٍ وَالْمُودِعُ مَالِكٌ ظَاهِرًا،

وَالْمُدَّعِي هُنَا صَاحِبُ اللُّقَطَةِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، ثُمَّ إذَا دَفَعَهَا بِالْعَلَامَةِ فَقَطْ يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا اسْتِيثَاقًا.

قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ لِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ التَّكْفِيلِ لِوَارِثٍ غَائِبٍ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا إذَا قُسِمَتْ التَّرِكَةُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ أَوْ الْوَرَثَةِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَرِيمِ وَلَا مِنْ الْوَارِثِ كَفِيلٌ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُؤْخَذُ.

وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حَقَّ الْحَاضِرِ هُنَا غَيْرُ ثَابِتٍ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ غَيْرَهُ فَيَجِيءُ وَيَتَوَارَى الْآخِذُ فَيُحْتَاطُ بِالْكَفِيلِ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّ حَقَّ الْحَاضِرِ مَعْلُومٌ ثَابِتٌ، وَكَوْنُ غَيْرِهِ أَيْضًا لَهُ حَقٌّ أَمْرٌ مَوْهُومٌ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْحَقِّ الثَّابِتِ إلَى زَمَانِ تَحْصِيلِ الْكَفِيلِ بِحَقٍّ مَوْهُومٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ دَفْعَ الْمُلْتَقِطِ لَوْ كَانَ بِالْبَيِّنَةِ لَا يَأْخُذُ كَفِيلًا وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَذُكِرَ فِي جَامِعِ قَاضِي خَان أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ. وَأُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ نَفَى الْخِلَافَ فِي التَّكْفِيلِ فِي اللُّقَطَةِ.

وَقَالَ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ فِيهِ: أَيْ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ عِنْدَ رَفْعِ اللُّقَطَةِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ. عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَأْخُذُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَأْخُذُ، هَذَا إذَا دَفَعَهُ بِمُجَرَّدِ الْعَلَامَةِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ مَعَ الْعَلَامَةِ أَوْ لَا مَعَهَا فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ دَفْعِهِ إلَيْهِ، لَكِنْ هَلْ يُجْبَرُ؟ قِيلَ يُجْبَرُ كَمَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً، وَقِيلَ لَا يُجْبَرُ كَالْوَكِيلِ يَقْبِضُ الْوَدِيعَةَ إذَا صَدَّقَهُ الْمُودِعُ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى دَفْعِهَا إلَيْهِ، وَدَفَعَ بِالْفَرْقِ (بِأَنَّ الْمَالِكَ هُنَا غَيْرُ ظَاهِرٍ) أَيْ الْمَالِكُ الْآخِذُ لِهَذِهِ اللُّقَطَةِ الَّتِي صَدَّقَ الْمُلْتَقِطُ مُدَّعِيهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَالْمُودِعُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ مَالِكٌ ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا أَقَرَّ لِلْحَاضِرِ بِحَقِّ قَبْضِهَا وَإِقْرَارُهُ بِحَقِّ قَبْضِ مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَلْزَمُهُ إقْبَاضُهُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، وَإِذَا دَفَعَ بِالتَّصْدِيقِ أَوْ بِالْعَلَامَةِ وَجَاءَ آخَرُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً فِي يَدِ الْمُدَّعِي قَضَى لَهُ بِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَضْمَنَ الْقَابِضُ أَوْ الْمُلْتَقِطُ، فَإِنْ ضَمِنَ الْقَابِضُ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُلْتَقِطُ فَفِي رِوَايَةٍ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَابِضِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِيمَا إذَا كَانَ الدَّفْعُ بِتَصْدِيقِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ يَرْجِعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>