وَانْتِفَاعُ أُبَيٍّ ﵁ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَهُوَ جَائِزٌ بِإِذْنِهِ (وَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ فَقِيرًا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا) لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْقِيقِ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلِهَذَا جَازَ الدَّفْعُ إلَى فَقِيرٍ غَيْرِهِ (وَكَذَا إذَا كَانَ الْفَقِيرُ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ غَنِيًّا) لِمَا ذَكَرْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ فِي اللُّقَطَةِ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ، إلَى أَنْ قَالَ: فَهِيَ كَسَبِيلِ مَالِك» وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَحْكِي قَوْلَهُ لِسَائِلٍ يَسْأَلُهُ، وَجَازَ كَوْنُ ذَلِكَ كَانَ فَقِيرًا. ثُمَّ هُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى فَقْرِ أُبَيٍّ فِي زَمَنِهِ ﷺ، وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ أَبِي طَلْحَةَ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إلَيَّ بَيْرُحَاءَ، فَمَا تَرَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: اجْعَلْهَا فِي فُقَرَاءِ قَرَابَتِك، فَجَعَلَهَا» أَبُو طَلْحَةَ فِي أُبَيٍّ وَحَسَّانٍ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ أُبَيًّا كَانَ فَقِيرًا، لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ قَضَايَا الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ سَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال.
وَأَمَّا مَا فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ «جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: اعْرِفْ، إلَى أَنْ قَالَ وَإِلَّا فَشَأْنُك بِهَا» وَفِي رِوَايَةٍ " فَهِيَ لَك " فَهُوَ أَيْضًا مِنْ قَضَايَا الْأَحْوَالِ الْمُتَطَرِّقِ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ، إذْ يَجُوزُ كَوْنُ السَّائِلِ فَقِيرًا، لَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْخِطَابَ لِأُبَيِّ لَا يَخْرُجُ عَنْ قَضَايَا الْأَحْوَالِ ذَاتِ الِاحْتِمَالِ، إذْ الْمَالُ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ نِصَابًا، وَكَوْنُهُ خَالِيًا عَنْ الدَّيْنِ لَوْ كَانَ نِصَابًا فَجَازَ كَوْنُهُ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ، وَكَوْنُهُ مَدْيُونًا. قَالُوا: لَوْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ لَا تَحِلُّ لِلْمُلْتَقِطِ إلَّا بِطَرِيقِ الصَّدَقَةِ فَيَمْتَنِعُ إذَا كَانَ غَنِيًّا لَمَّا أَكَلَهَا عَلِيٌّ ﵁ وَهُوَ لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ.
وَقَدْ أَمَرَهُ ﷺ بِأَكْلِهَا فِيمَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ وَحَسَنٌ وَحُسَيْنٌ يَبْكِيَانِ فَقَالَ: مَا يُبْكِيكُمَا؟ قَالَتْ: الْجُوعُ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ ﵁ فَوَجَدَ دِينَارًا بِالسُّوقِ، فَجَاءَ فَاطِمَةَ فَأَخْبَرَهَا فَقَالَتْ: اذْهَبْ إلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ فَخُذْ لَنَا دَقِيقًا، فَجَاءَ الْيَهُودِيَّ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: أَنْتَ خَتَنُ هَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَخُذْ دِينَارَك وَالدَّقِيقُ لَك، فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ فَقَالَتْ: اذْهَبْ إلَى فُلَانٍ الْجَزَّارِ وَخُذْ لَنَا بِدِرْهَمٍ لَحْمًا، فَذَهَبَ فَرَهَنَ الدِّينَارَ بِدِرْهَمٍ بِلَحْمٍ، فَعَجَنَتْ وَخَبَزَتْ وَأَرْسَلَتْ إلَى أَبِيهَا فَجَاءَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَذْكُرُ لَك فَإِنْ رَأَيْته حَلَالًا لَنَا أَكَلْنَاهُ، مِنْ شَأْنِهِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: كُلُوا بِاسْمِ اللَّهِ، فَأَكَلُوا فَبَيْنَمَا هُمْ مَكَانَهُمْ إذَا غُلَامٌ يَنْشُدُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ الدِّينَارَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِهِ فَدُعِيَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: سَقَطَ مِنِّي فِي السُّوقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: يَا عَلِيُّ اذْهَبْ إلَى الْجَزَّارِ فَقُلْ لَهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ لَك: أَرْسِلْ إلَيَّ بِالدِّينَارِ وَدِرْهَمُك عَلَيَّ، فَأَرْسَلَ بِهِ فَدَفَعَهُ ﷺ إلَى الْغُلَامِ».
قُلْنَا: هَذَا الْحَدِيثُ تُكُلِّمَ فِيهِ بِاعْتِبَارِ تَضَمُّنِهِ إنْفَاقَهُ قَبْلَ التَّعْرِيفِ فَدَلَّ عَلَى ضَعْفِهِ. وَقَوْلُ الْمُنْذِرِيِّ: وَلَعَلَّ تَأْوِيلَهُ أَنَّ التَّعْرِيفَ لَيْسَ لَهُ صِيغَةٌ يُعْتَدُّ بِهَا فَمُرَاجَعَتُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى مَلَإٍ مِنْ الْخَلْقِ إعْلَانٌ بِهِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ الِاكْتِفَاءَ فِي التَّعْرِيفِ بِمَرَّةٍ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ أَنْ اشْتَرَوْا وَخَبَزُوا وَأَحْضَرُوهُ ﷺ عَلَى الْأَكْلِ. نَعَمْ يَجِبُ الْحُكْمُ بِأَنَّ عَلِيًّا عَرَّفَهُ قَبْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute