للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ أَصْلِ الْجُعْلِ، إلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ أَرْبَعِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ مَا دُونَهَا، فَأَوْجَبْنَا الْأَرْبَعِينَ فِي مَسِيرَةِ السَّفَرِ وَمَا دُونَهَا فِيمَا دُونَهُ تَوْفِيقًا وَتَلْفِيقًا بَيْنَهُمَا،

بِمَنَافِعِهِ فِي رَدِّهِ، وَلَوْ تَبَرَّعَ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ لَا يَسْتَوْجِبُ شَيْئًا فَكَذَا هَذَا. وَقَوْلُنَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ (وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَصْلِ الْجُعْلِ، إلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ الْأَرْبَعِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ مَا دُونَهَا) وَذَلِكَ أَنَّهُ ظَهَرَ الْفَتْوَى بِهِ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ حَيْثُ لَا يَخْفَى فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ.

وَذَلِكَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: " كُنْت قَاعِدًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّ فُلَانًا قَدِمَ بِإِبَاقٍ مِنْ الْفَيُّومِ، فَقَالَ الْقَوْمُ لَقَدْ أَصَابَ أَجْرًا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَجُعْلًا إنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ كُلِّ رَأْسٍ أَرْبَعِينَ ".

وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سَعِيدٍ نَفْسِهِ أَيْضًا، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي رَبَاحٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: " أَصَبْت غِلْمَانًا إبَاقًا بَالِغِينَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: الْأَجْرُ وَالْغَنِيمَةُ، قُلْت هَذَا الْأَجْرُ فَمَا الْغَنِيمَةُ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا مِنْ كُلِّ رَأْسٍ " وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ قَتَادَةَ وَأَبِي هَاشِمٍ أَنَّ عُمَرَ قَضَى فِي جُعْلِ الْآبِقِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا.

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ وَكِيعٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ " أَعْطَيْت الْجُعْلَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا ". وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ " أَنَّ عُمَرَ جَعَلَ فِي جُعْلِ الْآبِقِ دِينَارًا أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا ".

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ " أَنَّهُ جَعَلَ فِي جُعْلِ الْآبِقِ دِينَارًا أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا " وَأَخْرَجَ هُوَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَضَى فِي الْعَبْدِ الْآبِقِ يُوجَدُ فِي خَارِجِ الْحَرَمِ بِدِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ». وَهَذَا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ مُرْسَلٌ. وَالْمَفْهُومُ مِنْ خَارِجِ الْحَرَمِ فِي الْمُتَبَادِرِ الْقُرْبِ لَا قَدْرِ مَسِيرَةِ سَفَرٍ عَنْهُ، وَعَنْ هَذَا رَوَى عَمَّارٌ " إنْ أَخَذَهُ فِي الْمِصْرِ فَلَهُ عَشَرَةٌ، وَإِنْ أَخَذَهُ خَارِجَ الْمِصْرِ فَلَهُ أَرْبَعُونَ " لَعَلَّهُ اعْتَبَرَ الْحَرَمَ كَالْمَكَانِ الْوَاحِدِ.

وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (إلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ أَرْبَعِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ دُونَهَا) يُرِيدُ الْمَرْوِيَّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَقَدْ عَلِمْت الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا أَنَّ الْجُعْلَ أَرْبَعُونَ، وَسَنَدُهُ أَحْسَنُ مِنْ الْأُخْرَى، وَالرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ مُضَعَّفَةٌ بِالْحَرْثِ الْمَذْكُورِ فَكَانَتْ رِوَايَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَقْوَى الْكُلِّ فَرَجَّحْنَاهَا، وَكَذَا قَوْلُ الْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنِهِ: هُوَ أَمْثَلُ مَا فِي الْبَابِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْأَقَلِّ إذَا سَاوَى الْأَكْثَرَ فِي الْقُوَّةِ. وَقِيلَ إنَّمَا يُؤْخَذُ بِهِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَقَاوِيلِ، وَهُنَا يُمْكِنُ إذْ تُحْمَلُ رِوَايَاتُ الْأَرْبَعِينَ عَلَى رَدِّهِ مِنْ مَسِيرَةِ السَّفَرِ وَرِوَايَاتُ الْأَقَلِّ عَلَى مَا دُونَهَا، وَيُحْمَلُ قَوْلُ عَمَّارٍ خَارِجَ الْمِصْرِ عَلَى مُدَّةِ السَّفَرِ (وَالتَّلْفِيقُ) الضَّمُّ لَفَقْت الثَّوْبَ أَلْفِقُهُ: إذَا ضَمَمْت

<<  <  ج: ص:  >  >>