قَالَ (وَيُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ مِنْ مَالِهِ) وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ مَقْصُورًا عَلَى الْأَوْلَادِ بَلْ يَعُمُّ جَمِيعَ قَرَابَةِ الْوِلَادِ.
وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي مَالِهِ حَالَ حَضْرَتِهِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ حِينَئِذٍ يَكُونُ إعَانَةً، وَكُلُّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا فِي حَضْرَتِهِ إلَّا بِالْقَضَاءِ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ فِي غَيْبَتِهِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ تَجِبُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ مُمْتَنِعٌ، فَمِنْ الْأَوَّلِ الْأَوْلَادُ الصِّغَارُ وَالْإِنَاثُ مِنْ الْكِبَارِ وَالزَّمِنِيُّ مِنْ الذُّكُورِ الْكِبَارِ، وَمِنْ الثَّانِي الْأَخُ وَالْأُخْتُ وَالْخَالُ وَالْخَالَةُ. وَقَوْلُهُ مِنْ مَالِهِ مُرَادُهُ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَطْعُومِ وَالْمَلْبُوسِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي مَالِهِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ وَهِيَ النَّقْدَانِ وَالتِّبْرُ بِمَنْزِلَتِهِمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ قِيمَةً كَالْمَضْرُوبِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ الْقَاضِي، فَإِنْ كَانَتْ وَدِيعَةً أَوْ دَيْنًا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْهُمَا إذَا كَانَ الْمُودِعُ
يَرْجِعُ إلَى حَقِّ الْمُوصَى، وَبَيْعُ الْعُرُوضِ فِيهِ مَعْنَى حَقِّهِ، وَرُبَّمَا يَكُونُ حِفْظُ الثَّمَنِ لِلْإِيصَالِ إلَى وَرَثَتِهِ أَيْسَرَ، وَهُنَا لَا وِلَايَةَ لِلْقَاضِي عَلَى الْمَفْقُودِ إلَّا فِي الْحِفْظِ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ لَهُ أَبٌ مُحْتَاجٌ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْ عُرُوضِهِ وَيُنْفِقُهُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ. وَفِي الْقِيَاسِ: لَيْسَ لَهُ بَيْعُ الْعُرُوضِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَمَالِي وَقَالَ: هُوَ حَسَنٌ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَبَ وَإِنْ زَالَتْ وِلَايَتُهُ بَقِيَ أَثَرُهَا حَتَّى صَحَّ اسْتِيلَادُهُ جَارِيَةَ ابْنِهِ مَعَ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أُصُولِ الْحَوَائِجِ، وَإِذَا ثَبَتَ بَقَاءُ أَثَرِ وِلَايَتِهِ كَانَ كَالْوَصِيِّ فِي حَقِّ الْوَارِثِ الْكَبِيرِ، وَلِلْوَصِيِّ بَيْعُ الْعُرُوضِ دُونَ الْعَقَارِ (وَيُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ مِنْ مَالِهِ) يَعْنِي الْحَاصِلَ فِي بَيْتِهِ وَالْوَاصِلُ مِنْ ثَمَنِ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَمِنْ مَالِهِ مُودِعٌ عِنْدَ مُقِرٍّ وَدَيْنٌ عَلَى مُقِرٍّ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَيْسَ هَذَا مَقْصُورًا عَلَى الْأَوْلَادِ) قُلْت: وَلَا هُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ فِيهِمْ بَلْ يَعُمُّ قَرَابَةَ الْوِلَادِ، يَعْنِي مِنْ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ عَلَا (وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي مَالِهِ حَالَ حَضْرَتِهِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ) لِأَنَّ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا حَاجَتَهُمْ بِيَدِهِمْ مِنْ مَالِهِ إذَا كَانَ جِنْسُ حَقِّهِمْ مِنْ النَّقْدِ وَالثِّيَابُ لِلُّبْسِ فَكَانَ إعْطَاءُ الْقَاضِي إنْ كَانَ الْمَالُ عِنْدَهُ أَوْ تَمْكِينُهُمْ إنْ كَانَ عِنْدَهُمْ إعَانَةً لَا قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا مَأْذُونِينَ شَرْعًا أَنْ يَتَنَاوَلُوا بِأَنْفُسِهِمْ (وَكُلُّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا فِي حَضْرَتِهِ إلَّا بِالْقَضَاءِ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ) فَمِنْ الْأَوَّلِ: أَعْنِي الْمُسْتَحِقِّينَ بِلَا قَضَاءٍ (الْأَوْلَادُ الصِّغَارُ وَالْإِنَاثُ الْكِبَارُ) إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ، وَكَذَا الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالزَّمِنِيُّ مِنْ الذُّكُورِ الْكِبَارِ فَكُلُّ مَنْ لَهُ مَالٌ لَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ فِي حَالِ حُضُورِهِ فَضْلًا عَنْ غَيْبَتِهِ، إلَّا الزَّوْجَةَ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا بِالْعَقْدِ وَالِاحْتِبَاسِ وَاسْتِحْقَاقَ غَيْرِهَا بِالْحَاجَةِ وَهِيَ تَنْعَدِمُ بِالْغِنَى (وَمِنْ الثَّانِي) يَعْنِي مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِالْقَضَاءِ (الْأَخُ وَالْأُخْتُ وَالْخَالُ وَالْخَالَةُ) وَنَحْوُهُمْ مِنْ قَرَابَةِ غَيْرِ الْوِلَادِ.
(وَقَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ (مِنْ مَالِهِ، يَعْنِي الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَطْعُومِ وَالْمَلْبُوسِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ) عَيْنُ الْمَطْعُومِ وَالْمَلْبُوسِ (يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ وَهِيَ النَّقْدَانِ وَالتِّبْرُ) أَيْ غَيْرُ الْمَضْرُوبِ (وَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ قِيمَةً كَالْمَضْرُوبِ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَالتِّبْرُ فِي يَدِ الْقَاضِي (فَإِنْ كَانَتْ وَدِيعَةً أَوْ دَيْنًا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا) إنْ كَانَ الْمُودِعُ مُقِرًّا الْوَدِيعَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute