للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْمَدْيُونُ مُقِرِّينَ بِالدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَالنِّكَاحِ وَالنَّسَبِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُونَا ظَاهِرَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي، فَإِنْ كَانَا ظَاهِرَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِقْرَارِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ظَاهِرَ الْوَدِيعَةِ وَالدَّيْنِ أَوْ النِّكَاحِ وَالنَّسَبِ يَشْتَرِطُ الْإِقْرَارَ بِمَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.

فَإِنْ دَفَعَ الْمُودِعُ بِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي يَضْمَنُ الْمُودِعُ وَلَا يُبَرَّأُ الْمَدْيُونُ لِأَنَّهُ مَا أَدَّى إلَى صَاحِبِ الْحَقِّ وَلَا إلَى نَائِبِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْقَاضِي نَائِبٌ عَنْهُ،

وَالنِّكَاحُ وَالنَّسَبُ الْمَدْيُونُ كَذَلِكَ مُقِرٌّ بِالدَّيْنِ وَالنِّكَاحِ وَالنَّسَبِ.

(وَهَذَا) يَعْنِي اشْتِرَاطَ إقْرَارِهِمَا بِالنِّكَاحِ وَالنَّسَبِ (إذَا لَمْ يَكُونَا ظَاهِرَيْنِ) عِنْدَ الْقَاضِي (فَإِنْ كَانَا ظَاهِرَيْنِ) مَعْرُوفَيْنِ لَهُ (فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إقْرَارِهِمَا بِهِمَا، وَلَوْ كَانَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ أَحَدَهُمَا الْوَدِيعَةَ وَالدَّيْنَ أَوْ النِّكَاحَ وَالنَّسَبَ) جَعَلَ كُلَّ اثْنَيْنِ وَاحِدًا (يَشْتَرِطُ إقْرَارَ مَنْ فِي جِهَتِهِ الْمَالُ بِالْآخَرِ الَّذِي لَيْسَ ظَاهِرًا فَيُقِرُّ فِي الْأَوَّلِ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ هَذِهِ زَوْجَتُهُ وَهَذَا وَلَدُهُ، وَفِي الثَّانِي بِأَنَّ لَهُ عِنْدِي وَدِيعَةً أَوْ عَلَيَّ دَيْنُهُ وَقَوْلُهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ جَوَابِ الْقِيَاسِ الَّذِي قَالَ بِهِ زُفَرُ لَا أَنَّ هَذَا اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ: لَا يُنْفِقُ مِنْ الْوَدِيعَةِ شَيْئًا عَلَيْهِمْ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُودِعِ بِذَلِكَ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى الْغَائِبِ وَهُوَ لَيْسَ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ، وَلَا يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ بِلَا خَصْمٍ، وَمِثْلُ هَذَا فِي الدَّيْنِ أَيْضًا. قُلْنَا: الْمُودِعُ مُقِرٌّ بِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْغَائِبِ، وَأَنَّ لِلْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ حَقَّ الْإِنْفَاقِ مِنْهُ، وَإِقْرَارُ الْإِنْسَانِ بِمَا فِي يَدِهِ مُعْتَبَرٌ فَيَنْتَصِبُ هُوَ خَصْمًا بِاعْتِبَارِ مَا فِي يَدِهِ ثُمَّ يَتَعَدَّى الْقَضَاءُ مِنْهُ إلَى الْمَفْقُودِ، وَمِثْلُ هَذَا الْقِيَاسِ لَيْسَ فِي الْوَدِيعَةِ وَالدَّيْنِ خَاصَّةً بَلْ فِي جَمِيعِ أَمْوَالِ الْمَفْقُودِ، وَقَدْ يُقَالُ أَيْضًا فِي جَوَابِهِ: نَعَمْ الْقِيَاسُ مَا ذَكَرْت، لَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا ذَلِكَ بِحَدِيثِ هِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ، وَقَدْ أَسْلَفْنَاهُ.

قَالَ فِيهِ: «خُذِي مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ بِالْمَعْرُوفِ» إذْ هُوَ يُفِيدُ مُطْلَقًا جَوَازَ الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ لِمَنْ تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ، ثُمَّ إذَا ثَبَتَ فِي الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لَا يَلْحَقُ بِهِ قَرَابَةُ غَيْرِ الْوِلَادِ بِالْقِيَاسِ، وَثُبُوتُ نَفَقَةِ الْأَبِ بِالدَّلَالَةِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِيهَا آكَدُ مِنْ حَقِّ الْوَلَدِ، فَإِنَّ الْوَلَدَ لَا يَسْتَحِقُّهَا بِمُجَرَّدِ الْحَاجَةِ، بَلْ إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ وَالْأَبُ يَسْتَحِقُّهَا بِمُجَرَّدِهَا وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ (قَوْلُهُ وَلَوْ دَفَعَ الْمُودِعُ بِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي يَضْمَنُ الْمُودِعُ وَلَا يُبَرَّأُ الْمَدْيُونُ لِأَنَّهُ مَا أَدَّى إلَى صَاحِبِ الْحَقِّ وَلَا إلَى نَائِبِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْقَاضِي نَائِبٌ عَنْهُ) فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ هَؤُلَاءِ بِالْقَبْضِ، وَلَيْسَ الْقَاضِي نَائِبًا فِي الْحِفْظِ فَقَطْ، بَلْ فِيهِ.

وَفِي إيفَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ أَيْضًا مِمَّا لَا يَحْتَاجُ فِي ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ إلَى سَمَاعِ بَيِّنَةٍ، وَجَازَ لَهُ أَنْ يُوَفِّيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ إذَا عَلِمَ بِوُجُوبِهِ، بِخِلَافِ الْمُودِعِ فَإِنَّهُ الْمَأْمُورُ بِالْحِفْظِ فَقَطْ فَيَضْمَنُ إذَا أَعْطَاهُمْ بِلَا أَمْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الْمُودِعُ إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّ الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْ فِي عِيَالِ الْمُودِعِ بَرِئَ.

أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِمْ لِلْحِفْظِ عَلَيْهِ لَا لِلْإِتْلَافِ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَأْخُذَ الْقَاضِي مِنْهَا كَفِيلًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَهَابِهِ أَوْ عَجَّلَ لَهَا النَّفَقَةَ، لَكِنْ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ جَازَ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ أَخْذُ الْكَفِيلِ إلَّا لِخَصْمٍ وَلَيْسَ هُنَا خَصْمٌ طَالِبٌ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>