عَلَّقَ التَّمَامَ بِالْفِعْلِ قَرَأَ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ.
قَالَ (وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ سُنَّةٌ) أَطْلَقَ اسْمَ السُّنَّةِ، وَفِيهَا وَاجِبَاتٌ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ
وَسَيَرِدُ عَلَيْك تَفَاصِيلُ هَذَا الْأَصْلِ (قَوْلُهُ عَلَّقَ التَّمَامَ بِالْفِعْلِ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْمُرَادِ لَا أَنَّهُ مَعْنَى اللَّفْظِ: يَعْنِي لَمَّا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَعْدَةِ كَانَ الْمُرَادُ إذَا قُلْت هَذَا وَأَنْتَ قَاعِدٌ أَوْ فَعَلْت هَذَا قَائِلًا أَوْ غَيْرَ قَائِلٍ تَمَّتْ، فَلَوْ تَمَّ هَذَا سَنَدًا وَمَتْنًا كَانَ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْقَعْدَةِ عَيْنًا مُتَوَقِّفًا عَلَى ثُبُوتِ فَرْضِيَّتِهَا بِمَا يَسْتَقِلُّ بِذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ جُزْءَ الْمُثْبَتِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ إثْبَاتٌ أَصْلًا كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ إثْبَاتِهِ بِبَيَانِ الْمُجْمَلِ فَكَيْفَ وَلَمْ يَتِمَّ، فَإِنَّ الَّذِي فِي أَبِي دَاوُد «إذَا قُلْتَ هَذَا وَقَضَيْتَ هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ إنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ» وَهُوَ تَعْلِيقٌ بِهِمَا فَإِذَا اتَّصَلَ الْخَبَرُ بِالْمُبَيَّنِ كَانَا فَرْضَيْنِ، نَعَمْ هُوَ بِلَفْظِ " أَوْ فَعَلْت هَذَا " فِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ، فَلَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهَا مُدْرَجَةٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَوَجَبَ حَمْلُ أَوْ عَلَى مَعْنَى الْوَاوِ لِيُوَافِقَ الْمَرْفُوعَ، وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْعَكْسِ فِيمَا أَظُنُّ فَكَيْفَ وَقَدْ بَيَّنَ الْإِدْرَاجَ شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَفَصَلَ كَلَامَ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ ﷺ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ مُفَصَّلًا مُبَيَّنًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّهَا مُدْرَجَةٌ. وَالْحَقُّ أَنَّ غَايَةَ الْإِدْرَاجِ هُنَا أَنْ تَصِيرُ مَوْقُوفَةً وَالْمَوْقُوفُ فِي مِثْلِهِ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي قَدْرِ الْفَرْضِ مِنْ الْقَعْدَةِ، قِيلَ قَدْرُ مَا يَأْتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَدْرُ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ إلَى " عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " لِلْعِلْمِ بِأَنَّ شَرْعِيَّتَهَا لِقِرَاءَتِهِ، وَأَقَلُّ مَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ اسْمُ التَّشَهُّدِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ذَلِكَ.
وَعَلَى هَذَا يَنْشَأُ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ مَا شُرِعَ لِغَيْرِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ غَيْرُهُ يَكُونُ آكَدَ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ مِمَّا لَمْ يُعْهَدْ بَلْ وَخِلَافُ الْمَعْقُولِ، فَإِذَا كَانَ شَرْعِيَّةُ الْقَعْدَةِ لِلذِّكْرِ أَوْ السَّلَامِ كَانَتْ دُونَهُمَا فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَيِّنَ سَبَبَ شَرْعِيَّتِهَا الْخُرُوجَ، هَذَا، وَقَدْ عُدَّ مِنْ الْفَرَائِضِ إتْمَامُهَا وَالِانْتِقَالُ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ قِيلَ لِأَنَّ النَّصَّ الْمُوجِبَ لِلصَّلَاةِ يُوجِبُ ذَلِكَ إذْ لَا وُجُودَ لِلصَّلَاةِ بِدُونِ إتْمَامِهَا وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي الْأَمْرَيْنِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَعْدَةَ فَرْضٌ غَيْرُ رُكْنٍ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْمَاهِيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute