للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَيَصِحُّ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَيَتَفَاضَلَا فِي الرِّبْحِ). وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ لِأَنَّ التَّفَاضُلَ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، فَإِنَّ الْمَالَ إذَا كَانَ نِصْفَيْنِ وَالرِّبْحَ أَثْلَاثًا فَصَاحِبُ الزِّيَادَةِ يَسْتَحِقُّهَا بِلَا ضَمَانٍ، إذْ الضَّمَانُ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ، وَلِأَنَّ الشَّرِكَةَ عِنْدَهُمَا فِي الرِّبْحِ لِلشَّرِكَةِ فِي الْأَصْلِ، وَلِهَذَا يَشْتَرِطَانِ الْخَلْطَ، فَصَارَ رِبْحُ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ نَمَاءِ الْأَعْيَانِ فَيُسْتَحَقُّ بِقَدْرِ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ. وَلَنَا قَوْلُهُ «الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ» وَلَمْ يَفْصِلْ، وَلِأَنَّ الرِّبْحَ كَمَا يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ يُسْتَحَقُّ بِالْعَمَلِ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ؛ وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَحْذَقَ وَأَهْدَى وَأَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقْوَى فَلَا يَرْضَى بِالْمُسَاوَاةِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّفَاضُلِ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ جَمِيعِ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ يَخْرُجُ الْعَقْدُ بِهِ مِنْ الشَّرِكَةِ وَمِنْ الْمُضَارَبَةِ أَيْضًا إلَى قَرْضٍ بِاشْتِرَاطِهِ لِلْعَامِلِ أَوْ إلَى بِضَاعَةٍ بِاشْتِرَاطِهِ لِرَبِّ الْمَالِ، وَهَذَا الْعَقْدُ يُشْبِهُ الْمُضَارَبَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْمَلُ

كَانَتْ الْعَرَبُ تَنْصِبُهُ وَتَدُورُ حَوْلَهُ، وَهُوَ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا.

وَقَوْلُهُ فِي مُلَاءٍ تَشْبِيهٌ لِنِعَاجِ الْبَقَرِ فِي اسْتِرْخَاءِ لَحْمِهَا لِسِمَنِهَا بِالْعَذَارَى، وَالْمُلَاءُ الْمُذَيَّلُ: أَيْ الطَّوِيلَاتُ الذَّيْلُ، وَهَذَا الِاشْتِقَاقُ لَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَلْ عُرُوضُ عَرَضٍ تَعَلَّقَ بِقَدْرٍ مِنْ الِاخْتِلَاطِ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَعُمُومُهُ، وَقِيلَ مَأْخُوذٌ مِنْ عِنَانِ الْفَرَسِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْكِسَائِيُّ وَالْأَصْمَعِيُّ، فَإِنَّهُ فِعْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا عِنَانَ التَّصَرُّفِ فِي بَعْضِ مَالِهِ لِرَفِيقِهِ وَبَعْضِهِ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَفَاوُتُهُمَا فِي الْمَالِ وَالرِّبْحِ كَمَا يَتَفَاوَتُ الْعِنَانُ فِي كَفِّ الْفَارِسِ طُولًا وَقِصَرًا فِي حَالَتَيْ الْإِرْخَاءِ وَضِدِّهِ، إلَّا أَنَّهُ اشْتِقَاقٌ غَيْرُ صَحِيحٍ إلَّا فِيمَا سُمِعَ وَلَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا فِي: اسْتَحْجَرَ الطِّينُ وَأَمْثَالِهِ

(قَوْلُهُ وَيَصِحُّ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي رَأْسِ الْمَالِ وَيَتَفَاضَلَا فِي الرِّبْحِ) وَعَكْسُهُ بِأَنْ يَتَفَاضَلَا فِي رَأْسِ الْمَالِ وَيَتَسَاوَيَانِ فِي الرِّبْحِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ.

وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ: لَا يَجُوزُ. وَقَوْلُهُ وَيَتَفَاضَلَا إلَخْ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ ذَلِكَ فِيمَا إذَا شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ عَمِلَ أَوْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا، أَوْ شَرَطَاهُ عَلَى مَنْ شَرَطَ لَهُ زِيَادَةَ الرِّبْحِ، وَإِنْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَقَلِّهِمَا رِبْحًا لَا يَجُوزُ.

وَجْهُ قَوْلِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ أَحَدِهِمَا لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ بِلَا ضَمَانٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ، وَصَارَ كَالْوَضِيعَةِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ اعْتِبَارٌ لِلرِّبْحِ بِالْخُسْرَانِ (وَلَنَا) مَا ذَكَرَ الْمَشَايِخُ مِنْ (قَوْلِهِ «الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ») وَلَمْ يُعْرَفْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ يَنْسُبُهُ إلَى عَلِيٍّ (وَلِأَنَّ الرِّبْحَ كَمَا يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ يُسْتَحَقُّ بِالْعَمَلِ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ، وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَحْذَقَ وَأَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقْوَى فَلَا يَرْضَى بِالْمُسَاوَاةِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّفَاضُلِ، وَ) رَأَيْنَا (هَذَا الْعَقْدَ) أَيْ شَرِكَةَ الْعِنَانِ (يُشْبِهُ الْمُضَارَبَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْمَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>