قَالَ (وَأَمَّا شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ) وَتُسَمَّى شَرِكَةَ التَّقَبُّلِ (كَالْخَيَّاطِينَ وَالصَّبَّاغِينَ يَشْتَرِكَانِ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ وَيَكُونُ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا) (فَيَجُوزُ ذَلِكَ) وَهَذَا عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةٌ لَا تُفِيدُ مَقْصُودَهَا وَهُوَ التَّثْمِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ تُبْتَنَى عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الْمَالِ عَلَى أَصْلِهِمَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ. وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّحْصِيلُ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِالتَّوْكِيلِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ وَكِيلًا فِي النِّصْفِ أَصِيلًا فِي النِّصْفِ تَحَقَّقَتْ الشَّرِكَةُ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ
وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ
بِهِ فِي الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ فِيمَا مَضَى لَا تُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الَّذِي فِي يَدِهِ فِي الْحَالِ مِنْ شَرِكَتِهِمَا إلَّا أَنْ يُقِيمُوا أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ فِي حَيَاةِ الْمَيِّتِ، أَوْ أَنَّهُ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَإِنَّهُمْ حِينَئِذٍ شَهِدُوا بِالنِّصْفِ لِلْمَيِّتِ وَوَرَثَتُهُ خُلَفَاؤُهُ.
وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ وَجَحَدُوا الشَّرِكَةَ فَأَقَامَ الْحَيُّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ، وَأَقَامُوا أَنَّ أَبَاهُمْ مَاتَ وَتَرَكَ هَذَا مِيرَاثًا مِنْ مُفَاوَضَةٍ بَيْنَهُمَا لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ جَاحِدُونَ، فَإِنَّمَا يُقِيمُونَهَا عَلَى النَّفْيِ وَقَدْ أَثْبَتَ الْمُدَّعِي الشَّرِكَةَ فِيمَا فِي أَيْدِيهِمْ فَيُقْضَى لَهُ بِنِصْفِهِ، وَصَحَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ وَلَوْ قَالُوا: مَاتَ جَدُّنَا وَتَرَكَهُ مِيرَاثًا لِأَبِينَا وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى هَذَا لَا تُقْبَلُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَتُقْبَلُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمُفَاوِضُ حَيًّا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ مَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِالْمُفَاوَضَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَإِذَا افْتَرَقَ الْمُتَفَاوِضَانِ فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ كَانَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَأَنَّ قَاضِيَ بَلْدَةِ كَذَا قَضَى بِذَلِكَ عَلَيْهِ، وَسَمَّوْا الْمَالَ، وَأَنَّهُ قَضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَأَقَامَ الْآخَرُ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ ذَلِكَ الْقَاضِي بِعَيْنِهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ قَاضٍ وَاحِدٍ، وَعُلِمَ تَارِيخُ الْقَضَاءَيْنِ أُخِذَ بِالْآخِرِ، وَهُوَ رُجُوعٌ عَنْ الْأَوَّلِ وَنَقْضٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَوْ كَانَ الْقَضَاءُ مِنْ قَاضِيَيْنِ لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا الْقَضَاءُ الَّذِي أَنْفَذَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَحِيحٌ ظَاهِرًا فَيُحَاسِبُ كُلٌّ صَاحِبَهُ بِمَا عَلَيْهِ، وَيَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ
(قَوْلُهُ وَأَمَّا شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ وَتُسَمَّى شَرِكَةَ التَّقَبُّلِ) وَشَرِكَةَ الْأَبْدَانِ وَشَرِكَةَ الْأَعْمَالِ (فَنَحْوَ الْخَيَّاطِينَ وَالصَّبَّاغِينَ يَشْتَرِكَانِ فِي أَنْ يَتَقَبَّلَ كُلٌّ الْأَعْمَالَ) أَوْ نَحْوَ الصَّبَّاغِ وَالْخَيَّاطِ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ (وَيَكُونُ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا فَيَجُوزُ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا شَرِكَةٌ لَا تُفِيدُ مَقْصُودَهَا) أَيْ الْمَقْصُودَ مِنْهَا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: مَقْصُودَهُمَا بِالتَّثْنِيَةِ أَيْ الشَّرِيكَيْنِ (وَهُوَ التَّثْمِيرُ) أَيْ الرِّبْحُ (لِأَنَّهُ لَا بُدَّ) فِي الرِّبْحِ (مِنْ رَأْسِ الْمَالِ)؛ لِأَنَّهُ يُبْنَى عَلَيْهِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي الْخِلَافِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْخَلْطِ، (وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ عَقْدِ الشَّرِكَةِ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ) عَلَى الِاشْتِرَاكِ، وَهُوَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَالِ بَلْ جَازَ بِالْعَمَلِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ، فَجَازَ بِالتَّوْكِيلِ بِأَنْ وَكَّلَ الْآخَرَ بِقَبُولِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ كَمَا يَقْبَلُهُ لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ كُلٌّ أَصِيلًا فِي نِصْفِ الْعَمَلِ الْمُتَقَبَّلِ وَوَكِيلًا فِي نِصْفِهِ الْآخَرِ، فَتَتَحَقَّقُ الشَّرِكَةُ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ عَنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ، فَإِنْ عَمِلَا اسْتَحَقَّ كُلٌّ فَائِدَةَ عَمَلِهِ وَهُوَ الْمَالُ الْمُسْتَفَادُ وَهُوَ كَسْبُهُ، وَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا كَانَ الْعَامِلُ مُعِينًا لِشَرِيكِهِ فِيمَا لَزِمَهُ بِتَقَبُّلِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ مُطْلَقُ الْعَمَلِ لَا عَمَلُ الْمُتَقَبَّلِ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ بِنَفْسِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ نَحْوَ الْخَيَّاطِ يَتَقَبَّلُ ثُمَّ يَسْتَأْجِرُ مَنْ يَعْمَلُهُ وَيَدْفَعُهُ إلَى مَالِكِهِ فَتَطِيبُ لَهُ الْأُجْرَةُ.
وَمِنْ صُوَرِ هَذِهِ الشَّرِكَةِ أَنْ يَجْلِسَ آخَرُ عَلَى دُكَّانِهِ فَيَطْرَحَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَحَدِهِمَا الْعَمَلَ وَمِنْ الْآخَرِ الْحَانُوتَ، وَاسْتُحْسِنَ جَوَازُهَا؛ لِأَنَّ التَّقَبُّلَ مِنْ صَاحِبِ الْحَانُوتِ عَمَلٌ
(قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute