يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ» وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى أَنْ يَلْزَمَ الْوَقْفُ مِنْهُ لِيَصِلَ ثَوَابُهُ إلَيْهِ عَلَى الدَّوَامِ، وَقَدْ أَمْكَنَ دَفْعُ حَاجَتِهِ
الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ، إذْ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ لَفْظِ وَقَفْت دَارِي أَوْ حَبَسْتهَا خُرُوجُهَا عَنْ الْمِلْكِ فَيَصْدُقُ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَالتَّرْجِيحُ: أَيْ تَرْجِيحُ الْخُرُوجِ وَعَدَمِهِ بِالدَّلِيلِ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَدِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ قِبَلِهِمَا إنَّمَا تُفِيدُ اللُّزُومَ لَا الْخُرُوجَ عَنْ الْمِلْكِ، وَمِنْ قِبَلِهِ تُفِيدُ نَفْيَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا دَلِيلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يُفِيدُ تَمَامَ الْمَطْلُوبِ، ثُمَّ ابْتَدَأَ بِدَلِيلِهِمَا فَذَكَرَ حَدِيثَ ثَمْغَ وَهُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ الْمَفْتُوحَةِ بَعْدَهَا مِيمٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ حَافِظُ الدِّينِ أَنَّهُ بِلَا تَنْوِينٍ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهَا فِي كُتُبِ غَرَائِبِ الْحَدِيثِ الْمُصَحَّحَةِ عِنْدَ الثِّقَاتِ مُنَوَّنًا وَغَيْرَ مُنَوَّنٍ كَمَا فِي دَعْدٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ: أَخْبَرَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ عَنْ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ تُدْعَى ثَمْغَ، وَقَالَ: كَانَ نَخْلًا نَفِيسًا، قَالَ: فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي اسْتَفَدْت مَالًا هُوَ عِنْدِي نَفِيسٌ أَفَأَتَصَدَّقُ بِهِ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَلَكِنْ تُنْفَقُ ثَمَرَتُهُ، قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي الرِّقَابِ وَلِلضَّعِيفِ وَالْمَسَاكِينِ وَلِابْنِ السَّبِيلِ وَلِذِي الْقُرْبَى لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُؤَكِّلَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ»، وَحَدِيثُ عُمَرَ هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَبَاقِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: أَصَبْت أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ: إنْ شِئْت حَبَسْت أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْت بِهَا، فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْقُرْبَى وَالرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالضَّيْفِ» الْحَدِيثَ.
وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ فَقَالَ ﵊: «تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَلَكِنْ تُنْفَقُ ثَمَرَتُهُ» ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِالْمَعْنَى، وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى أَنْ يَلْزَمَ الْوَقْفَ لِحَاجَتِهِ إلَى أَنْ يَصِلَ ثَوَابُهُ إلَيْهِ عَلَى الدَّوَامِ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّرْعُ إلَى إعْمَالِ مَا يَدْفَعُ هَذِهِ الْحَاجَةَ فِيمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدِهِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» وَلَا طَرِيقَ إلَى تَحَقُّقِ دَفْعِ هَذِهِ الْحَاجَةِ وَإِثْبَاتِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ الْجَارِيَةِ إلَّا لُزُومُهُ، وَتَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ تَحَقَّقَتْ حَاجَةُ اسْتِمْرَارِ وُصُولِ ثَوَابِهِ، وَيُمْكِنُ بِإِسْقَاطِ مِلْكِهِ فَيَسْقُطُ ظَاهِرُ الْمَنْعِ إذْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِذَلِكَ سُقُوطُ الْمِلْكِ طَرِيقًا بَلْ يَتَحَقَّقُ بِالْحُكْمِ بِلُزُومِهِ فَلَمْ يَلْزَمْ زَوَالُ الْمِلْكِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فَلَا يَقْدَحُ فِيمَا رَجَّحْنَاهُ مِنْ الْأَقْوَالِ فِيمَا مَضَى، ثُمَّ عَلَى تَقْرِيرِنَا يَحْصُلُ مَطْلُوبُهُمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا تَمَّتْ الدَّلَالَةُ عَلَى لُزُومِهِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِمُوَافَقَتِنَا لَهُمَا عَلَى ذَلِكَ لِاعْتِقَادِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ﵏ التَّلَازُمَ بَيْنَ اللُّزُومِ وَالْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِهِ.
وَقَوْلُهُ كَالْمَسْجِدِ نَظِيرُ مَا خَرَجَ عَنْ الْمِلْكِ بِالْإِجْمَاعِ لَا إلَى مَالِكٍ، وَكَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute