للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِإِسْقَاطِ الْمِلْكِ وَجَعْلِهِ لِلَّهِ تَعَالَى. إذْ لَهُ نَظِيرٌ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ الْمَسْجِدُ فَيُجْعَلُ كَذَلِكَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ «لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى» وَعَنْ شُرَيْحٍ: جَاءَ مُحَمَّدٌ بِبَيْعِ الْحَبِيسِ لِأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ فِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ زِرَاعَةً وَسُكْنَى وَغَيْرَ ذَلِكَ وَالْمِلْكُ فِيهِ لِلْوَاقِفِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِصَرْفِ غَلَّاتِهِ إلَى مَصَارِفِهَا وَنَصْبِ الْقَوَّامِرِ فِيهَا إلَّا أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِمَنَافِعِهِ فَصَارَ شَبِيهَ الْعَارِيَّةِ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّصَدُّقِ بِالْغَلَّةِ دَائِمًا وَلَا تَصَدُّقَ عَنْهُ إلَّا بِالْبَقَاءِ عَلَى مِلْكِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُزَالَ مِلْكُهُ، لَا إلَى مَالِكٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ مَعَ بَقَائِهِ كَالسَّائِبَةِ. بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ،

الْإِعْتَاقُ، وَسَيُجِيبُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْعِتْقِ وَمُطْلَقِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ وَلَهُ) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ «لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ» أَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ إلَى عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَمَا أُنْزِلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ وَأَنْزَلَ فِيهَا الْفَرَائِضَ نَهَى عَنْ الْحَبْسِ». وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَخِيهِ وَضَعَّفُوهُمَا. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ سِلَاحٍ أَوْ كُرَاعٍ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِهَذَا الْمَوْقُوفِ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ عَلِمَ ثُبُوتَ الْوَقْفِ وَلِهَذَا اسْتَثْنَى الْكُرَاعَ وَالسِّلَاحَ لَا يُقَالُ إلَّا سَمَاعًا وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ، وَالشَّعْبِيُّ أَدْرَكَ عَلِيًّا وَرِوَايَتُهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ ثَابِتَةٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ شُرَيْحٍ فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْبُيُوعِ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَابْنُ زَائِدَةَ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: «جَاءَ مُحَمَّدٌ بِبَيْعِ الْحَبِيسِ». وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَشُرَيْحٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَقَدْ رَفَعَ الْحَدِيثَ فَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ إلَخْ) ظَاهِرُ مُصَادَرَةٍ لِجَعْلِهِ الدَّعْوَى جُزْءَ الدَّلِيلِ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِيَصِلَ الدَّلِيلَ بِالدَّعْوَى، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ لَمْ تَنْقَطِعْ عَنْهُ حَتَّى جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ زِرَاعَةً وَسُكْنَى لِغَيْرِ الْوَاقِفِ، وَتَعَلُّقُ حُقُوقِ الْعِبَادِ بِالْعَيْنِ أَثَرُ ثُبُوتِ مِلْكِهِمْ فِيهَا عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمِلْكُ لِغَيْرِ الْوَاقِفِ أَوْ لَهُ، وَاتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ مِلْكًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِلْوَاقِفِ، وَكَذَا الِاسْتِيضَاحُ بِنَصْبِ الْقَوَّامِ وَصَرْفِ غَلَّاتِهِ بِحَسَبِ الْأَصْلِ يَكُونُ عَنْ مِلْكِهِ لِلْعَيْنِ إلَّا أَنْ يُوجِبَ مُوجِبٌ لَا مَرَدَّ لَهُ خُرُوجَهُ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>