للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَذَا لِأَنَّ الْعَقَارَ يَتَأَبَّدُ، وَالْجِهَادُ سَنَامُ الدِّينِ، فَكَانَ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِيهِمَا أَقْوَى فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُمَا فِي مَعْنَاهُمَا.

الْوَقْفِ الشَّرْعِيِّ التَّأْبِيدُ وَلَا يَتَأَبَّدُ غَيْرُ الْعَقَارِ، غَيْرَ أَنَّهُ تُرِكَ فِي الْجِهَادِ؛ لِأَنَّهُ سَنَامُ الدِّينِ، فَكَانَ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِيهِمَا أَقْوَى، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ شَرْعِيَّةِ الْوَقْفِ فِيهِمَا شَرْعِيَّتُهُ فِيمَا هُوَ دُونَهُمَا، وَلَا يُلْحَقُ دَلَالَةً أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُمَا. وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَقَدْ زَادَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَشْيَاءَ مِنْ الْمَنْقُولِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ لِمَا رَأَوْا مِنْ جَرَيَانِ التَّعَامُلِ فِيهَا. فَفِي الْخُلَاصَةِ: وَقَفَ بَقَرَةً عَلَى أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ لَبَنِهَا وَسَمْنِهَا يُعْطَى لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ قَالَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ غَلَبَ ذَلِكَ فِي أَوْقَافِهِمْ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ جَائِزًا.

وَعَنْ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ زُفَرَ فِيمَنْ وَقَفَ الدَّرَاهِمَ أَوْ الطَّعَامَ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ مَا يُوزَنُ أَيَجُوزُ ذَلِكَ؟ قَالَ نَعَمْ، قِيلَ وَكَيْفَ؟ قَالَ يَدْفَعُ الدَّرَاهِمَ مُضَارَبَةً ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا فِي الْوَجْهِ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ، وَمَا يُكَالُ وَمَا يُوزَنُ يُبَاعُ وَيُدْفَعُ ثَمَنُهُ مُضَارَبَةً أَوْ بِضَاعَةً. قَالَ: فَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إذَا وَقَفَ هَذَا الْكُرَّ مِنْ الْحِنْطَةِ عَلَى شَرْطِ أَنْ يُقْرَضَ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا بَذْرَ لَهُمْ لِيَزْرَعُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ قَدْرُ الْقَرْضِ، ثُمَّ يُقْرَضُ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ أَبَدًا عَلَى هَذَا السَّبِيلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا. قَالَ: وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الرَّيِّ وَنَاحِيَةِ دَنْبَاوَنْدَ، وَالْأَكْسِيَةُ وَأَسْتِرَةُ الْمَوْتَى إذَا وَقَفَ صَدَقَةً أَبَدًا جَازَ فَتُدْفَعُ الْأَكْسِيَةُ لِلْفُقَرَاءِ فَيَنْتَفِعُونَ بِهَا فِي أَوْقَاتِ لُبْسِهَا؛ وَلَوْ وَقَفَ ثَوْرًا لِإِنْزَاءِ بَقَرِهِمْ لَا يَصِحُّ. ثُمَّ إذَا عَرَفَ جَوَازَ وَقْفِ الْفَرَسِ وَالْجَمَلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَلَوْ وَقَفَهُ عَلَى أَنْ يَمْسِكَهُ مَا دَامَ حَيًّا إنْ أَمْسَكَهُ لِلْجِهَادِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ لِجَاعِلِ فَرَسِ السَّبِيلِ أَنْ يُجَاهِدَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَصَحَّ جَعْلُهُ لِلسَّبِيلِ: يَعْنِي يَبْطُلُ الشَّرْطُ، وَيَصِحُّ وَقْفُهُ، وَلَا يُؤَاجَرُ فَرَسُ السَّبِيلِ إلَّا إذَا اُحْتِيجَ إلَى نَفَقَتِهِ فَيُؤَاجَرُ بِقَدْرِ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ.

قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَهَذِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا احْتَاجَ إلَى نَفَقَةٍ يُؤَاجِرُ قِطْعَةً مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ اهـ. وَهَذَا عِنْدِي غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْقُبْحِ الَّذِي لِأَجْلِهِ اسْتَثْنَى أَبُو يُوسُفَ الْمَسْجِدَ مِنْ وَقْفِ الْمَشَاعِ، وَهُوَ أَنْ يَتَّخِذَ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ عَامًا وَإِصْطَبْلًا يُرْبَطُ فِيهِ الدَّوَابُّ عَامًا، وَلَوْ قِيلَ إنَّمَا يُؤَاجَرُ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَنَقُولُ غَايَةُ مَا يَكُونُ لِلسُّكْنَى وَيَسْتَلْزِمُ جَوَازَ الْمُجَامَعَةِ فِيهِ وَإِقَامَةَ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ فِيهِ، وَلَوْ قِيلَ لَا يُؤَاجَرُ لِذَلِكَ فَكُلُّ عَمَلٍ يُؤَاجَرُ لَهُ فِيهِ تَغْيِيرُ أَحْكَامِهِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ بِاحْتِيَاجِهِ إلَى النَّفَقَةِ لَا تَتَغَيَّرُ أَحْكَامُهُ الشَّرْعِيَّةُ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَسْجِدًا.

نَعَمْ إنْ خَرِبَ مَا حَوْلَهُ وَاسْتُغْنِيَ عَنْهُ فَحِينَئِذٍ لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَتَجِبُ عِمَارَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا: يَجُوزُ وَقْفُ الْغِلْمَانِ وَالْجَوَارِي عَلَى مَصَالِحِ الرِّبَاطِ، وَإِذَا زَوَّجَ السُّلْطَانُ أَوْ الْقَاضِي جَارِيَةَ الْوَقْفِ يَجُوزُ، وَلَوْ زَوَّجَ عَبْدَ الْوَقْفِ لَا يَجُوزُ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ اكْتِسَابًا لِلْوَقْفِ دُونَ الثَّانِي، وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَ أَمَةَ الْوَقْفِ مِنْ عَبْدِ الْوَقْفِ لَا يَجُوزُ. وَمِنْ فُرُوعِ وَقْفِ الْمَنْقُولِ وَقْفُ دَارٍ فِيهَا حَمَّامَاتٌ يَخْرُجْنَ وَيَرْجِعْنَ يَدْخُلُ فِي وَقْفِهِ الْحَمَّامَاتُ الْأَصْلِيَّةُ قَالَ الْفَقِيهُ: هُوَ كَوَقْفِ الضَّيْعَةِ مَعَ الثِّيرَانِ. وَسُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَمَّنْ وَقَفَ شَجَرَةً بِأَصْلِهَا وَالشَّجَرَةُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِأَوْرَاقِهَا وَثَمَرِهَا قَالَ: الْوَقْفُ جَائِزٌ وَيُنْتَفَعُ بِثَمَرِهَا وَلَا يُقْطَعُ أَصْلُهَا إلَّا أَنْ تَفْسُدَ أَغْصَانُهَا، فَإِنْ لَمْ يُنْتَفَعْ بِأَوْرَاقِهَا وَثَمَرِهَا فَإِنَّهَا تُقْطَعُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهَا إلَى سَبِيلِهِ، فَإِنْ نَبَتَتْ ثَانِيًا وَإِلَّا غَرَسَ مَكَانَهَا. وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ عَنْ شَجَرَةِ وَقْفٍ يَبِسَ بَعْضُهَا وَبَقِيَ بَعْضُهَا فَقَالَ: مَا يَبِسَ مِنْهَا فَسَبِيلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>