قَالَ (وَتَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ) لِقَوْلِهِ ﵊ «خَلِّلُوا أَصَابِعَكُمْ كَيْ لَا تَتَخَلَّلَهَا نَارُ جَهَنَّمَ» وَلِأَنَّهُ إكْمَالُ
وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، وَقَالَ فِيهِ: فَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ. وَفِيهِ: فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هَكَذَا الطَّهُورُ؟ قَالَ: هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي». رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ. وَرُوِيَ أَيْضًا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ: «كَانَ إذَا تَوَضَّأَ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ». وَضُعِّفَ بِخَالِدِ بْنِ إلْيَاسَ الْعَدَوِيِّ. وَرَوَى الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ «أَنَّهُ ﷺ تَوَضَّأَ وَخَلَّلَ». وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ وَضَّأَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثٍ، فَرَأَيْتُهُ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ بِأَصَابِعِهِ كَأَنَّهَا أَسْنَانُ الْمُشْطِ». وَفِيهِ أَضْرَمُ بْنُ غِيَاثٍ النَّيْسَابُورِيُّ مَتْرُوكٌ، وَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِمَّا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْهُ ﷺ قَالَ «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ خَلِّلْ لِحْيَتَكَ» وَهُوَ مَعْلُولٌ بِالْهَيْثَمِ بْنِ جَمَّازٍ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا فِي أَبِي دَاوُد عَنْ أَنَسٍ: «كَانَ ﷺ إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ وَقَالَ: بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي» وَسَكَتَ عَنْهُ، وَكَذَا الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِأَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ زَرْوَانَ مَجْهُولٌ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامِ: وَهُوَ عَلَى طَرِيقَتِهِ مِنْ طَلَبِ زِيَادَةِ التَّعْدِيلِ مَعَ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ عَنْ الرَّاوِي. وَقَدْ رَوَى عَنْ الْوَلِيدِ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. فَهَذِهِ طُرُقٌ مُتَكَثِّرَةٌ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ﵃ لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهَا ضَعِيفًا ثَبَتَتْ حُجِّيَّةُ الْمَجْمُوعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَكَيْفَ وَبَعْضُهَا لَا يَنْزِلُ عَنْ الْحَسَنِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ ﵀ يَقُولُ: لَمْ يَثْبُتْ مِنْهَا الْمُوَاظَبَةُ بَلْ مُجَرَّدُ الْفِعْلِ، إلَّا فِي شُذُوذٍ مِنْ الطُّرُقِ فَكَانَ مُسْتَحَبًّا لَا سُنَّةً، لَكِنَّ مَا فِي أَبِي دَاوُد مِنْ قَوْلِهِ: بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي، لَمْ يَثْبُتْ ضَعْفُهُ، وَهُوَ مُغْنٍ عَنْ نَقْلِ صَرِيحِ الْمُوَاظَبَةِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ تَعَالَى حَامِلٌ عَلَيْهَا
، فَيَتَرَجَّحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَيَتَضَاءَلُ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْوُضُوءِ مَا كَانَ إكْمَالًا لِلْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ، وَدَاخِلُ اللِّحْيَةِ لَيْسَ بِهِ بَعْدَ سَلَامَتِهِ فِي نَفْسِهِ مِمَّا نُقِضَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ سُنَّةٌ وَلَيْسَا فِي مَحَلِّهِ؛ إذْ لَيْسَ فِي الْوَجْهِ بِالْمَنْعِ، وَادِّعَاءِ أَنَّ مَحَلَّيْهِمَا مِنْهُ حُكْمًا إذْ لَهُمَا حُكْمُ الْخَارِجِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَا يَفْسُدَ الصَّوْمُ بِإِدْخَالِهِمَا شَيْئًا.
(قَوْلُهُ وَتَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ) صِفَتُهُ فِي الرِّجْلَيْنِ أَنْ يُخَلِّلَ بِخِنْصِرِ يَدِهِ الْيُسْرَى خِنْصِرَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى، وَيَخْتِمَ بِخِنْصِرِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى فِي الْقُنْيَةِ، كَذَا وَرَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ لَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ.
(قَوْلُهُ حَكَى لَا تَتَخَلَّلُهَا نَارُ جَهَنَّمَ) مُؤَدَّيْ التَّرْكِيبِ أَنَّ التَّخْلِيلَ يُرَادُ لِعَدَمِ التَّظَلُّلِ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ عَدَمَ التَّخْلِيلِ مُسْتَلْزِمٌ تَخَلُّلَ النَّارِ إلَّا لَوْ كَانَتْ عِلَّةٌ مُسَاوِيَةٌ، وَهُوَ مُنْتَفٍ وَإِلَّا كَانَ التَّخْلِيلُ وَاجِبًا بَعْدَ اعْتِقَادِهِمْ حُجِّيَّةَ الْحَدِيثِ، لَكِنَّ الْمَعْدُودَ فِي السُّنَنِ التَّخْلِيلُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِوُصُولِ الْمَاءِ إلَى مَا بَيْنَهَا وَهُوَ لَيْسَ وَاجِبًا، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ هُوَ مَقْرُونًا بِالْوَعِيدِ بِتَقْدِيرِ التَّرْكِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ضَمِّهِ فِي السُّؤَالِ الْقَائِلِ خَلِّلُوا يُفِيدُ الْوُجُوبَ فَكَيْفَ وَهُوَ مَقْرُونٌ بِالْوَعِيدِ ثُمَّ تَكَلَّفَ الْجَوَابَ بِأَنَّهُ مَصْرُوفٌ عَنْهُ بِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ، وَأَحَادِيثِ حِكَايَةِ وُضُوئِهِ ﷺ، إذْ لَيْسَ فِيهَا التَّخْلِيلُ، وَالْوَعِيدُ مَصْرُوفٌ إلَى مَا إذَا لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، هَذَا وَمَتْنُ الْأَحَادِيثِ عَلَى مَا فِي الدَّارَقُطْنِيِّ: خَلِّلُوا أَصَابِعَكُمْ لَا يُخَلِّلُهَا اللَّهُ بِالنَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَهُوَ ضَعِيفٌ بِيَحْيَى بْنِ مَيْمُونٍ التَّمَّارِ، نَعَمْ الْمُصَرَّحُ فِيهِ بِالْوَعِيدِ مَا فِي الطَّبَرَانِيِّ: مَنْ لَمْ يُخَلِّلْ أَصَابِعَهُ بِالْمَاءِ خَلَّلَهَا اللَّهُ بِالنَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَأَمْثَلُ أَحَادِيثِ التَّخْلِيلِ مَا فِي سُنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ. قَالَ: قَالَ ﷺ «إذَا تَوَضَّأْتَ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَى هُوَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute