للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الطَّعَامِ وَالْحُبُوبِ مُكَايَلَةً وَمُجَازَفَةً) وَهَذَا إذَا بَاعَهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ لِقَوْلِهِ «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ» بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ بِجِنْسِهِ مُجَازَفَةً لِمَا فِيهِ مِنْ احْتِمَالِ الرِّبَا

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الصَّرْفُ إلَى أَحَدِهَا وَالْحَالَةُ أَنَّهَا مُتَفَاوِتَةُ الْمَالِيَّةِ جَاءَتْ الْجَهَالَةُ الْمُفْضِيَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُرِيدُ دَفْعَ الْأَنْقَصِ مَالِيَّةً، وَالْبَائِعُ يُرِيدُ دَفْعَ الْأَعْلَى فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ، إلَّا أَنْ تَرْتَفِعَ الْجَهَالَةُ بِبَيَانِ أَحَدِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ وَيَرْضَى الْآخَرُ لِارْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ، وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ الدَّائِنُ لِمَدْيُونِهِ بِعْنِي هَذَا الثَّوْبَ بِبَعْضِ الْعَشَرَةِ الَّتِي لِي عَلَيْك وَبِعْنِي هَذَا الْآخَرَ بِبَاقِي الْعَشَرَةِ فَقَالَ نَعَمْ كَانَ صَحِيحًا لِعَدَمِ إفْضَاءِ جَهَالَةِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ إلَى الْمُنَازَعَةِ بِضَمِّ الْمَبِيعِ الثَّانِي إلَيْهِ إذْ بِهِ يَصِيرُ ثَمَنُهُمَا عَشَرَةً، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى قَبُولِ الدَّائِنِ بَعْدَ قَوْلِ الْمَدْيُونِ نَعَمْ وَنَحْوُهُ.

وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْمَالِيَّةِ وَالرَّوَاجِ مَعًا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَيُصْرَفُ إلَى الْأَرْوَجِ لِلْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ. وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُتَسَاوِيَةَ الْمَالِيَّةِ وَالرَّوَاجِ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيُؤَدِّي مِنْ أَيُّهَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا فَضْلَ لِأَحَدِهَا فَلَوْ طَلَبَ الْبَائِعُ أَحَدَهَا بِعَيْنِهِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ الصِّنْفِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ قَبْضِ مَا أَعْطَاهُ الْمُشْتَرِي مَعَ أَنَّهُ لَا فَضْلَ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّعَنُّتُ.

وَبِهَذَا قُلْنَا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لَا تَتَعَيَّنُ، حَتَّى لَوْ أَرَاهُ دِرْهَمًا اشْتَرَى بِهِ فَبَاعَهُ ثُمَّ حَبَسَهُ وَأَعْطَاهُ دِرْهَمًا آخَرَ جَازَ: يَعْنِي إذَا كَانَا مُتَّحِدَيْ الْمَالِيَّةِ وَالثُّنَائِيُّ وَالثُّلَاثِيُّ اسْمَا دَرَاهِمَ كَانَتْ بِبِلَادِهِمْ مُخْتَلِفَةَ الْمَالِيَّةِ، وَكَذَا الرُّكْنِيُّ وَالْخَلِيفَتِيُّ فِي الذَّهَبِ كَانَ الْخَلِيفَتِيُّ أَفْضَلَ مَالِيَّةً عِنْدَهُمْ وَالْعِدَالِيُّ اسْمٌ لِدَرَاهِمَ

(قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الطَّعَامِ) وَهِيَ الْحِنْطَةُ وَدَقِيقُهَا خَاصَّةً فِي الْعُرْفِ الْمَاضِي كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْفِطْرَةِ: «كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ». فَقَوْلُهُ (وَالْحُبُوبُ) عَطَفَ الْعَامَّ عَلَى الْخَاصِّ أَوْ يُقَدَّرُ وَكَذَا بَاقِي: أَيْ وَبَاقِي الْحُبُوبِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الطَّعَامَ (مُكَايَلَةً) أَيْ بِشَرْطِ عَدَدٍ مِنْ الْكَيْلِ. وَإِلَّا فَفِي اللُّغَةِ الْمُكَايَلَةُ أَنْ تَكِيلَ لَهُ وَيَكِيلَ لَك (وَمُجَازَفَةً) أَيْ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ بَلْ بِإِرَاءَةِ الصُّبْرَةِ وَالْجَزْفُ فِي الْأَصْلِ: الْأَخْذُ بِكَثْرَةٍ مِنْ قَوْلِهِمْ جَزَفَ لَهُ فِي الْكَيْلِ إذَا أَكْثَرَ، وَمَرْجِعُهُ إلَى الْمُسَاهَلَةِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا) يَعْنِي الْبَيْعَ مُجَازَفَةً مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ إذَا بِيعَتْ بِجِنْسِهَا، فَأَمَّا الْأَمْوَالُ الرِّبَوِيَّةُ إذَا بِيعَتْ بِجِنْسِهَا فَلَا يَجُوزُ مُجَازَفَةً لِاحْتِمَالِ الرِّبَا، وَهُوَ مَانِعٌ كَحَقِيقَةِ الرِّبَا. وَهَذَا أَيْضًا مُقَيَّدٌ بِمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ مِنْهَا، وَأَمَّا مَا لَا يَدْخُلُ كَحَفْنَةٍ بِحَفْنَتَيْنِ فَيَجُوزُ وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ التَّمْرَةَ بِالتَّمْرَتَيْنِ فَقَالَ: مَا حُرِّمَ فِي الْكَثِيرِ حُرِّمَ فِي الْقَلِيلِ. وَالْقَيْدُ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا بَاعَ غَيْرَ الْحُبُوبِ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ بِجِنْسِهَا كِفَّةً بِكِفَّةٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْمُجَازَفَةِ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ. وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ بَاعَ الْفِضَّةَ كِفَّةَ مِيزَانٍ بِكِفَّةِ مِيزَانٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ إنَّمَا هُوَ احْتِمَالُ الرِّبَا وَهُوَ بِاحْتِمَالِ التَّفَاضُلِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيمَا إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>