وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ غَيْرُ مَانِعَةٍ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فَشَابَهَ جَهَالَةَ الْقِيمَةِ.
قَالَ (وَيَجُوزُ بِإِنَاءٍ بِعَيْنِهِ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ وَبِوَزْنِ حَجَرٍ بِعَيْنِهِ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ)؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِمَا أَنَّهُ يَتَعَجَّلُ فِيهِ التَّسْلِيمَ فَيُنْدَرُ هَلَاكُهُ قَبْلَهُ بِخِلَافِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِ مُتَأَخِّرٌ وَالْهَلَاكَ لَيْسَ بِنَادِرٍ قَبْلَهُ فَتَتَحَقَّقُ الْمُنَازَعَةُ.
وَضَعَ صُبْرَةَ فِضَّةٍ فِي كِفَّةِ مِيزَانٍ، وَوَضَعَ مُقَابِلَتَهَا فِضَّةً حَتَّى وَزَنَتْهَا فَيَجُوزُ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ مَا رَوَى أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْهُ ﵊ أَنَّهُ «قَالَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَتْ يَدًا بِيَدٍ» (وَلِأَنَّ) هَذِهِ (الْجَهَالَةَ غَيْرُ مَانِعَةٍ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ) لِتَعَجُّلِ التَّسْلِيمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَلَا يُمْنَعُ (فَشَابَهَ جَهَالَةَ الْقِيمَةِ) لِلْمَبِيعِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى مِنْ إنْسَانٍ مَا يُسَاوِي مِائَةً بِدِرْهَمٍ، وَالْبَائِعُ لَا يَعْلَمُ قِيمَةَ مَا بَاعَ لَزِمَ الْبَيْعُ
(قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بِإِنَاءٍ بِعَيْنِهِ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ وَبِوَزْنِ حَجَرٍ بِعَيْنِهِ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ) قَدْ قَيَّدَ الْإِنَاءَ بِكَوْنِهِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانَ كَأَنْ يَكُونَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَدِيدٍ، أَمَّا إذَا كَانَ يَحْتَمِلُ كَالزِّنْبِيلِ وَالْجَوَالِقِ فَلَا يَجُوزُ، وَعَلَى هَذَا بَيْعُ مِلْءِ قِرْبَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ رِوَايَةً مِنْ النِّيلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَيْسَ عِنْدَهُ وَلَا يُعْرَفُ قَدْرُ الْقِرْبَةِ لَكِنْ أُطْلِقَ فِي الْمُجَرَّدِ جَوَازُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْقِرَبِ الْمُتَعَارَفَةِ فِي الْبَلَدِ مَعَ غَالِبِ السَّقَّائِينَ، فَلَوْ مَلَأَ لَهُ بِأَصْغَرِ مِنْهَا لَا يُقْبَلُ، وَكَذَا رِوَايَةٌ مِنْهُ يُوفِيهِ فِي مَنْزِلِهِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا مَلَأَهَا ثُمَّ تَرَاضَيَا جَازَ كَمَا قَالُوا لَوْ بَاعَ الْحَطَبَ وَنَحْوَهُ أَحْمَالًا لَا يَجُوزُ، وَلَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ ثُمَّ بَاعَهُ الْحِمْلَ جَازَ لِتَعَيُّنِ قَدْرِ الْمَبِيعِ فِي الثَّانِي. وَفِي الْخُلَاصَةِ اشْتَرَى كَذَا كَذَا قِرْبَةً مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ جَازَ اسْتِحْسَانًا إذَا كَانَتْ الْقِرْبَةُ مُعَيَّنَةً. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا يَجُوزُ فِي الْقِرَبِ مُطْلَقًا. وَفِي الْمُحِيطِ: بَيْعُ الْمَاءِ فِي الْحِيَاضِ وَالْآبَارِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا جَعَلَهُ فِي وِعَاءٍ. وَوَجَّهَ فِي الْمَبْسُوطِ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ بِأَنَّ فِي الْمُعَيَّنِ مُجَازَفَةً يَجُوزُ فَبِمِكْيَالٍ غَيْرِ مَعْرُوفٍ أَوْلَى، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ فِي الْمُجَازَفَةِ الْإِشَارَةُ إلَى عَيْنِ الْمَبِيعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute