قَالَ (وَمَنْ بَاعَ قَطِيعَ غَنَمٍ كُلُّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ فَسَدَ الْبَيْعُ فِي جَمِيعِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ ثَوْبًا مُذَارَعَةً كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَلَمْ يُسَمِّهِ جُمْلَةَ الذِّرَاعَانِ، وَكَانَ كُلُّ مَعْدُودٍ مُتَفَاوِتٍ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي الْكُلِّ لِمَا قُلْنَا، وَعِنْدَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ) لِمَا بَيَّنَّا غَيْرَ أَنَّ بَيْعَ شَاةٍ مِنْ قَطِيعِ غَنَمٍ وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ لَا يَجُوزُ لِلتَّفَاوُتِ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلَّ أَجْوِبَةِ هَذِهِ النُّقُوضِ تَصْلُحُ أَدِلَّةً لِأَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهَا تَضَمَّنَتْ تَسْلِيمَ أَنَّ الْجَهَالَةَ وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِهِمَا إزَالَتُهَا بَعْدَ كَوْنِهَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ فِي الثَّمَنِ كَالْبَيْعِ بِالرَّقْمِ وَبِأَيِّ ثَمَنٍ شَاءَ، أَوْ فِي الْمَبِيعِ كَبَيْعِ عَبْدٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ تَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ، وَجَهَالَةُ الثَّمَنِ عَلَى وَجْهٍ يُشْبِهُ الْقِمَارَ وَعَدَمُ الْعِلْمِ بِهِ مَعَ إمْكَانِ إزَالَتِهَا ثَابِتٌ فِي حَمْلِ النِّزَاعِ إذْ جَازَ أَنْ يَظْهَرَ كَوْنُهُ مِائَةً أَوْ خَمْسِينَ إلَّا بِكَيْلِ أَحَدِهِمَا، وَكَوْنُ ذَلِكَ بِكَيْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَفِي الرَّقْمِ يَظْهَرُ بِالْبَائِعِ فَقَطْ لَا أَثَرَ لَهُ فِي دَفْعِ مَنْعِ الْحَظْرِ وَالتَّمَكُّنِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ الْمُفْسِدُ
وَإِذَا فَسَدَ الْبَيْعُ فِي عَبْدٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَالْجَهَالَةُ فِي مَضْبُوطٍ لِانْحِصَارِهَا فِي احْتِمَالَاتٍ أَرْبَعَةٍ لَا تَتَعَدَّاهَا، فَلَأَنْ تَفْسُدَ فِي صُبْرَةٍ لَا تَقِفُ الِاحْتِمَالَاتُ فِي خُصُوصِ الثَّمَنِ عَلَى كَوْنِهِ أَرْبَعَ إمْكَانَاتٍ أَوْ عَشَرَةً أَوْلَى، بَلْ وَيُسَجَّلُ عَلَيْهِمَا بِبُطْلَانِ قِيَاسِهِمَا عَلَى بَيْعِ عَبْدٍ مِنْ عَبْدَيْنِ إذْ ظَهَرَ مِنْ الْجَوَابِ أَنَّهُ مَعْدُولٌ عَنْ الْقِيَاسِ وَلِذَا امْتَنَعَ فِي أَرْبَعَةِ أَعْبُدٍ، وَحِينَئِذٍ تَرَجَّحَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَظَهَرَ أَنَّ كَوْنَ الْعَاقِدَيْنِ بِيَدِهِمَا إزَالَةُ جَهَالَةِ صُلْبِ الْعَقْدِ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْمَبِيعُ لَا يُوجِبُ صِحَّةَ الْبَيْعِ قَبْلَ إزَالَتِهَا بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ إمْكَانِ إزَالَتِهَا فِيهَا، وَغَايَتُهُ إذَا أُزِيلَتْ فِي الْمَجْلِسِ وَهُمَا عَلَى رِضَاهُمَا ثَبَتَ بِعَقْدِ التَّرَاضِي وَالْمُعَاطَاةِ لَا بِعَيْنِ الْأَوَّلِ كَمَا ذَكَرَ فِي الرَّقْمِ، بَلْ وَلِهَذِهِ الْفُرُوعِ الْمَذْكُورَةِ أَمْثَالٌ يَطُولُ عَدُّهَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِيهَا لِجَهَالَةٍ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ مَعَ إمْكَانِ إزَالَةِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَهَا، وَتَأْخِيرُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ دَلِيلَهُمَا ظَاهِرٌ فِي تَرْجِيحِهِ قَوْلَهُمَا وَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَأَمَّا مَا يُحْمَلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ مِمَّا.
ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّهُ مَتَى أُضِيفَ كَلِمَةُ كُلٍّ إلَى مَا لَا تُعْلَمُ نِهَايَتُهُ فَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ أَدْنَاهُ لِصِيَانَتِهِ عَنْ الْإِلْغَاءِ كَالْإِقْرَارِ بِأَنَّ عَلَيْهِ كُلَّ دِرْهَمٍ إنَّمَا يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ، وَكَذَا إجَارَةُ كُلِّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ تَلْزَمُ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ فَلَا حَاجَةَ لَهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَنَعَ صِحَّةَ هَذَا الْأَصْلِ كَانَ إثْبَاتُهُ بِعَيْنِ مَا ذُكِرَ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ ثُبُوتِ الْجَهَالَةِ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّيَقُّنِ فِي الْوَاحِدِ فَهُوَ نَفْسُهُ أَصْلُ هَذَا الْأَصْلِ. [فَرْعٌ]
اشْتَرَى طَعَامًا بِغَيْرِ جِنْسِهِ خَارِجَ الْمِصْرِ وَشَرَطَ أَنْ يُوفِيَهُ فِي مَنْزِلٍ مِنْ الْمِصْرِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، فَإِذَا اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةَ الْحَمْلِ فَسَدَ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمِصْرِ وَشَرَطَ أَنْ يَحْمِلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ بِشَرْطِ أَنْ يُوفِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَفِي الْقِيَاسِ فَاسِدٌ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَاسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ جَوَازَهُ بِالْعُرْفِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَشْتَرِي الْحَطَبَ وَالشَّعِيرَ عَلَى الدَّابَّةِ فِي الْمِصْرِ وَلَا يَكْتَرِي دَابَّةً أُخْرَى يَحْمِلُهُ عَلَيْهَا بَلْ الْبَائِعُ هُوَ يَحْمِلُهُ بِخِلَافِهِ خَارِجَ الْمِصْرِ، وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ لَفْظِ الْحَمْلِ وَالْإِيفَاءِ فِي الِاسْتِحْسَانِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ، وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْفَرْقَ فَإِنَّ الْإِيفَاءَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ فَشَرْطُهُ مُلَائِمٌ بِخِلَافِ الْحَمْلِ
(قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ قَطِيعَ غَنَمٍ إلَخْ) لَمَّا ذَكَرَ الصُّورَةَ فِي الْمِثْلِيَّاتِ ذَكَرَ نَظِيرَهَا فِي الْقِيَمِيَّاتِ، فَإِذَا أَضَافَ الْبَيْعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute