(وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَا (يَجُوزُ إذَا سَمَّى مُدَّةً مَعْلُومَةً لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ أَجَازَ الْخِيَارَ إلَى شَهْرَيْنِ)؛ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا شُرِعَ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّرَوِّي لِيَنْدَفِعَ الْغَبْنُ، وَقَدْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى الْأَكْثَرِ فَصَارَ كَالتَّأْجِيلِ فِي الثَّمَنِ.
وَكَانَ قَدْ أَصَابَهُ آمَةٌ فِي رَأْسِهِ فَكَسَرَتْ لِسَانَهُ، وَكَانَ لَا يَدَعُ عَلَى ذَلِكَ التِّجَارَةَ وَكَانَ لَا يُزَالُ يُغْبَنُ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. الْحَدِيثَ. وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَقُولَ لَهُ مُنْقِذُ بْنُ عَمْرٍو، لَا حِبَّانُ ابْنُهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مُنْقَطِعٌ، وَغَلَطُ مَنْ عَزَاهُ لِأَبِي دَاوُد، وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ قَالَ: كَانَ جَدِّي مُنْقِذُ بْنُ عَمْرٍو فَذَكَرَهُ قَالَ: وَعَاشَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ سَنَةً
وَالْحَدِيثُ وَإِنْ دَار عَلَى ابْنِ إِسْحَاقَ فَالْأَكْثَرُ عَلَى تَوْثِيقِهِ، وَرَجَعَ مَالِكٌ عَمَّا قَالَ فِيهِ ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأَنِفِ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ قَالَ: «قَالَ ﵊ لِمُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو قُلْ لَا خِلَابَةَ، وَإِذَا بِعْت بَيْعًا فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ» وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَ الْوَاقِعَةِ لِحِبَّانَ أَرْجَحَ؛ لِأَنَّ هَذَا مُنْقَطِعٌ وَذَلِكَ مَوْصُولٌ، هَذَا وَشَرْطُ الْخِيَارِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ فِي الْمُوَطَّإِ وَالصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ لِرَسُولِ اللَّه ﷺ أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ: إذَا بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ» وَالْخِلَابَةُ الْخَدِيعَةُ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَقْصُودِ؛ وَالْعَجَبُ مِمَّنْ قَالَ الْأَصْلُ فِي جَوَازِ شَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَهُوَ لَا يَمَسُّ الْمَطْلُوبَ. [فَرْعٌ]
يَجُوزُ إلْحَاقُ خِيَارِ الشَّرْطِ بِالْبَيْعِ، لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَوْ بِأَيَّامٍ جَعَلْتُك بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ صَحَّ بِالْإِجْمَاعِ، حَتَّى لَوْ شُرِطَ الْخِيَارُ بَعْدَ الْبَيْعِ الْبَاتِّ شَهْرًا وَرَضِيَا بِهِ فَسَدَ الْعَقْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ أَلْحَقَا بِهِ شَرْطًا فَاسِدًا بَطَلَ الشَّرْطُ، وَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي قَوْلِهِمَا وَيَفْسُدُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ بَاعَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَغِلَّهُ وَيَسْتَخْدِمَهُ جَازَ وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ. وَلَوْ قَالَ فِي بَيْعِ بُسْتَانٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثَمَرَتِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ بِالثَّمَنِ قَبْلَ أَنْ يُسْقِطَ الْمُشْتَرِي خِيَارَهُ. وَلَوْ قَالَ لَهُ أَنْتَ بِالْخِيَارِ كَانَ لَهُ خِيَارُ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَقَطْ، وَلَوْ قَالَ إلَى الظُّهْرِ؛ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَمِرُّ لَهُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ وَقْتُ الظُّهْرِ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَدْخُلُ الْغَايَةُ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ) وَكَمَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إذَا أَطْلَقَ (وَقَالَا: يَجُوزُ إذَا سَمَّى مُدَّةً مَعْلُومَةً لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَجَازَ الْبَيْعَ إلَى شَهْرَيْنِ) وَهَذَا دَلِيلُ جُزْءِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ جَوَّزَهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ يُفِيدُ جَوَازَ أَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثَةِ بِمُدَّةٍ خَاصَّةٍ لَا غَيْرُ (لِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا شُرِعَ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّرَوِّي لِيَنْدَفِعَ الْغَبْنُ، وَقَدْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى الْأَكْثَرِ فَصَارَ كَالتَّأْجِيلِ فِي الثَّمَنِ) شُرِعَ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّأْخِيرِ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، ثُمَّ جَازَ أَيُّ مِقْدَارٍ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ وَبِقَوْلِهِمَا قَالَ أَحْمَدُ لِقَوْلِهِ ﵊ «الْمُسْلِمُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute