وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ اللُّزُومُ، وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهُ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ النَّصِّ، فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ وَانْتَفَتْ الزِّيَادَةُ.
عِنْدَ شُرُوطِهِمْ». وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا لَا يَبْقَى أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ كَالْفَاكِهَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ الْخِيَارُ فِي أَكْثَرِ مِنْ يَوْمٍ، وَإِنْ كَانَ ضَيْعَةً لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْحَاجَةِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَمْ يَتَعَيَّنْ اشْتِرَاطُ الْأَكْثَرِ طَرِيقًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لِإِمْكَانِ أَنْ يَذْهَبَ فَيَرَاهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيَ لَا حَاجَةَ إلَى شَرْطِ الْخِيَارِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ ثَابِتٌ لَهُ وَلَوْ تَأَخَّرَتْ رُؤْيَتُهُ سَنَةً، وَإِنْ كَانَ لِلتَّرَوِّي فِي أَمْرِهَا هَلْ تُسَاوِي الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ أَوْ لَا أَوْ هِيَ مُنْتَفَعٌ بِهَا عَلَى الْكَمَالِ أَوْ لَا وَإِنْ لَمْ يَرَهَا؟ فَهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِالسُّؤَالِ وَالْمُرَاجَعَةِ لِلنَّاسِ الْعَارِفِينَ وَذَلِكَ يَحْصُلُ فِي مُدَّةِ الثَّلَاثِ. وَأَمَّا مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ بِفَسَادٍ فَحُكْمُهُ مَسْطُورٌ. فِي فَتَاوَى الْقَاضِي: اشْتَرَى شَيْئًا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْقِيَاسِ لَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى شَيْءٍ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَفْسَخَ الْبَيْعَ وَإِمَّا أَنْ تَأْخُذَ الْمَبِيعَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْك مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى تُجِيزَ الْبَيْعَ أَوْ يَفْسُدَ الْمَبِيعُ عِنْدَك دَفْعًا لِلضَّرَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ ادَّعَى فِي يَدِ رَجُلٍ بِشِرَاءِ شَيْءٍ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَالسَّمَكَةِ الطَّرِيَّةِ وَجَحَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ وَيُخَافُ فَسَادُهَا فِي مُدَّةِ التَّزْكِيَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُ مُدَّعِي الشِّرَاءِ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ وَيَأْخُذَ السَّمَكَةَ ثُمَّ الْقَاضِي يَبِيعُهَا مِنْ آخَرَ وَيَأْخُذُ ثَمَنَهَا وَيَضَعُ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِي عَلَى يَدِ عَدْلٍ، فَإِنْ عُدِّلَتْ الْبَيِّنَةُ يُقْضَى لِمُدَّعِي الشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ الثَّانِي وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ لِلْبَائِعِ؛ وَلَوْ ضَاعَ الثَّمَنَانِ عِنْدَ الْعَدْلِ يَضِيعُ الثَّمَنُ الثَّانِي مِنْ مَالِ مُدَّعِي الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْقَاضِي كَبَيْعِهِ، وَلَوْ لَمْ تَعْدِلْ الْبَيِّنَةُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ السَّمَكَةِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَثْبُتْ وَبَقِيَ آخِذًا مَالَ الْغَيْرِ بِجِهَةِ الْبَيْعِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ (أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ اللُّزُومُ) ثَبَتَ نَصًّا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِلتَّرَوِّي فِيمَا يَدْفَعُ الْغَبْنَ عَنْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّظَرَ لِاسْتِكْشَافِ كَوْنِهِ فِي هَذَا الْمَبِيعِ مَغْبُونًا أَوْ غَيْرَ مَغْبُونٍ مِمَّا يَتِمُّ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَلْ فِي أَقَلَّ مِنْهَا؛ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ كَوْنِهِ مَغْبُونًا فِي هَذِهِ الصَّفْقَةِ أَوْ لَا لَيْسَ مِنْ الْعُلُومِ الْبَالِغَةِ فِي الْخَفَاءِ وَالْإِشْكَالِ لِيَحْتَاجَ فِي حُصُولِهِ إلَى مُدَّةٍ تَزِيدُ عَلَيْهَا، فَكَانَ الزَّائِدُ عَلَى الثَّلَاثِ لَيْسَ فِي مَحِلِّ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِحُصُولِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهُ بِالثَّلَاثِ دَلَالَةً كَمَا لَا يَجُوزُ بِالْقِيَاسِ. وَلَوْ فُرِضَ مِنْ الْغَبَاوَةِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَفِيدُ كَوْنَهُ مَغْبُونًا لَمْ يُعْذَرْ، وَلَا يُبْنَى الْفِقْهُ بِاعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ زَائِلُ الْعَقْلِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ فِي قَوْلِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ فِي حَدِيثِ حِبَّانَ إنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ وَلِأَنَّهُ ﵊ ضَرَبَ الثَّلَاثَ لِمَنْ كَانَتْ غَايَةً فِي ضَعْفِ الْمَعْرِفَةِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي أَمْرِ حِبَّانَ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا ضَعِيفًا وَكَانَ بِدِمَاغِهِ مَأْمُومَةٌ أَفْسَدَتْ، أَوْ أَنَّهُ مُنْقِذٌ وَكَانَ قَدْ أَصَابَتْهُ آمَةٌ فِي رَأْسِهِ فَكَسَرَتْ لِسَانَهُ وَنَازَعَتْ عَقْلَهُ وَبَلَغَ مِنْ السِّنِّ مِائَةً وَثَلَاثِينَ سَنَةً كَمَا فِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ الْأَوْسَطِ، فَأَيُّ حَالَةٍ تَزِيدُ عَلَى هَذِهِ مِنْ الضَّعْفِ إلَّا عَدَمُ الْعَقْلِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ سِوَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا شَكَّ فِي مَنْعِ الزَّائِدِ مَعَ أَنَّهُ وُجِدَ فِي السَّمْعِ مَا يَنْفِيهِ صَرِيحًا، وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الْحُجَّةِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُسْتَأْنَسُ بِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْحُجَّةِ، وَهُوَ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ حَدِيثِ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ بَعِيرًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ الْخِيَارَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْبَيْعَ وَقَالَ: الْخِيَارُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ» إلَّا أَنَّهُ أُعِلَّ بِأَبَانَ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِأَنَّهُ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، وَكَذَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute