(إلَّا أَنَّهُ إذَا أَجَازَ فِي الثَّلَاثِ) جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِزُفَرِ، هُوَ يَقُولُ: إنَّهُ انْعَقَدَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا. وَلَهُ أَنَّهُ أَسْقَطَ الْمُفْسِدَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ فَيَعُودُ جَائِزًا كَمَا إذَا بَاعَ بِالرَّقْمِ وَأَعْلَمَهُ فِي الْمَجْلِسِ.
قَالَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ» وَفِيهِ أَحْمَدُ بْنُ مَيْسَرَةَ مَتْرُوكٌ. وَأَمَّا مَا اسْتَدَلُّوا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ فَلَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْآثَارِ. وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الْأَجَلِ فَنَقُولُ بِمُوجِبِهِ وَلَا يَضُرُّنَا، فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمَّا شَرَعَ الْأَجَلَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ شَرَعَهُ مُطْلَقًا فَعَمِلْنَا بِإِطْلَاقِهِ، وَهُنَا لَمَّا شَرَعَ الْخِيَارَ شَرَعَهُ مُقَيَّدًا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ بِثَلَاثِ لَيَالٍ فَعَمِلْنَا بِتَقْيِيدِهِ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ الْأَجَلَ أَيْضًا مُقَيَّدًا بِمُدَّةٍ كُنَّا نَقُولُ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا أَيْضًا، وَلِوُجُوبِ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ نُقِلَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ شُبْرُمَةَ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْخِيَارِ مَا وَرَدَ إلَّا لِلْمُشْتَرِي. قُلْنَا: مَمْنُوعٌ بَلْ لِلْأَعَمِّ، فَإِنَّهُ ﷺ قَالَ لَهُ " إذَا بَايَعْت " وَهُوَ يَصْدُقُ بِكَوْنِهِ بَائِعًا وَمُشْتَرِيًا (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا: أَيْ لَا يَجُوزُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ إلَّا فِي وَقْتِ إجَازَتِهِ دَاخِلَ الثَّلَاثَةِ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ خِلَافًا لِزُفَرَ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ (هُوَ) أَيْ زُفَرُ (يَقُولُ إنَّهُ) أَيْ الْعَقْدُ (انْعَقَدَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا) كَمَا إذَا بَاعَ الدِّرْهَمَ بِدِرْهَمَيْنِ ثُمَّ أَسْقَطَ الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ لَا يَقَعُ صَحِيحًا، أَوْ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفٍ وَرِطْلٍ خَمْرًا ثُمَّ أَسْقَطَ الْخَمْرَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى حَسَبِ الثُّبُوتِ فَإِنَّ الْبَاقِيَ هُوَ الَّذِي كَانَ قَدْ ثَبَتَ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ) أَيْ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ (أَسْقَطَ الْمُفْسِدَ) وَهُوَ اشْتِرَاطُ الْيَوْمِ الرَّابِعِ (قَبْلَ تَقَرُّرِهِ) أَيْ قَبْلَ ثُبُوتِهِ وَتَحَقُّقِهِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَيَعُودُ جَائِزًا (كَمَا إذَا بَاعَ بِالرَّقْمِ وَعَلِمَهُ بِالْمَجْلِسِ فَرَضِيَ بِهِ) وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ لَيْسَ هُوَ شَرْطُ الْخِيَارِ، بَلْ وَصْلُهُ بِالرَّابِعِ وَهُوَ بِعَرْضِ الْفَصْلِ قَبْلَ مَجِيئِهِ، فَإِذَا أَسْقَطَهُ فَقَدْ تَحَقَّقَ زَوَالُ الْمَعْنَى الْمُفْسِدِ قَبْلَ مَجِيئِهِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي حُكْمِ هَذَا الْعَقْدِ فِي الِابْتِدَاءِ، فَعِنْدَ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ حُكْمُهُ الْفَسَادُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ إذْ الظَّاهِرُ دَوَامُهُمَا عَلَى الشَّرْطِ، فَإِذَا أَسْقَطَهُ تَبَيَّنَ الْأَمْرُ خِلَافَ الظَّاهِرِ فَيَنْقَلِبُ صَحِيحًا، وَقَالَ مَشَايِخُ خُرَاسَانَ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ: هُوَ مَوْقُوفٌ، وَبِالْإِسْقَاطِ قَبْلَ الرَّابِعِ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا، وَإِذَا مَضَى جُزْءٌ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَسَدَ الْعَقْدُ الْآنَ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute