ثُمَّ ذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا اشْتَرَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي الْحَقِيقَةِ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ أَمَانَةٌ، وَالْأَوَّلُ تَجَوُّزٌ وَاسْتِعَارَةٌ.
فَخْرُ الْإِسْلَامِ فَقَالَ: الصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُجَاعٍ. وَجْهُ الِاشْتِرَاطِ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَ هَذَا الْعَقْدِ لِجَهَالَةِ وَقْتِ الْمَبِيعِ وَقْتَ لُزُومِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا جَازَ اسْتِحْسَانًا بِمَوْضِعِ السُّنَّةِ وَهُوَ شَرْطُ الْخِيَارِ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِهِ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الْكَلَامِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ شَرْطَ الْإِلْحَاقِ بِالدَّلَالَةِ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ الصُّورَةِ الْمُلْحَقَةِ الصُّورَةُ الثَّابِتَةُ بِالْعِبَارَةِ، وَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ الْبَيْعُ بِخِيَارِ النَّقْدِ إلَّا فِي بَيْعِ خِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْبَيْعِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ مِمَّا أُثْبِتَ بِدَلَالَةِ نَصِّ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَلَا يُعْلَمُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُمَا إنْ تَرَاضَيَا عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ مَعَ خِيَارِ التَّعْيِينِ ثَبَتَ حُكْمُهُ، وَهُوَ جَوَازُ أَنْ يَرُدَّ كُلًّا مِنْ الثَّوْبَيْنِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ بَعْدَ تَعْيِينِ الثَّوْبِ الَّذِي فِيهِ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ التَّعْيِينِ فِي هَذَا الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ شَرْطُ الْخِيَارِ أَنَّهُ عَيْنُ الْمَبِيعِ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ لَا أَنَّهُ يَسْقُطُ خِيَارُهُ، وَلَوْ رَدَّ أَحَدَهُمَا كَانَ بِخِيَارِ التَّعْيِينِ وَيَثْبُتُ الْبَيْعُ فِي الْآخَرِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَلَوْ مَضَتْ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ رَدِّ شَيْءٍ وَتَعْيِينِهِ بَطَلَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَانْبَرَمَ الْبَيْعُ فِي أَحَدِهِمَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يُعَيِّنَ
وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الثَّلَاثَةِ تَمَّ بَيْعُ أَحَدِهِمَا وَعَلَى الْوَارِثِ التَّعْيِينُ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يُورَثُ وَالتَّعْيِينُ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ لِيُمَيِّزَ مِلْكَهُ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا؛ وَلِهَذَا لَا يُتَوَقَّفُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرِيكِ الْمُخْتَلِطِ مَالُهُ بِمَالِ غَيْرِهِ، فَمَا لَمْ يَطْلُبْ شَرِيكُهُ الْقِسْمَةَ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ وَلَا يَفُوتُ وَقْتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ مَعَهُ لَا بُدَّ مِنْ تَوْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ بِالثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ، وَعِنْدَهُمَا أَيُّ مُدَّةٍ تَرَاضَيَا عَلَيْهَا بَعْدَ كَوْنِهَا مَعْلُومَةً، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ حَتَّى انْبَرَمَ فِي أَحَدِهِمَا وَلَزِمَ التَّعْيِينُ أَنْ يَتَقَيَّدَ التَّعْيِينُ بِثَلَاثَةٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَحِينَئِذٍ فَإِطْلَاقُ الطَّحَاوِيِّ قَوْلَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ مُؤَقَّتٌ بِالثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بِهَا عِنْدَهُمَا وَخِيَارُ التَّمْيِيزِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ طُولِبَ بِالْفَرْقِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ حَيْثُ قَصَرَ الْمُدَّةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute