وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا أَوْ تَعَيَّبَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فِيهِ بِثَمَنِهِ وَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْأَمَانَةِ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِالتَّعَيُّبِ، وَلَوْ هَلَكَا جَمِيعًا مَعًا يَلْزَمُهُ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِشُيُوعِ الْبَيْعِ وَالْأَمَانَةِ فِيهِمَا.
عَلَى الثَّلَاثِ فِي خِيَارِ النَّقْدِ أَخْذًا بِالْقِيَاسِ وَلَمْ يُقْصِرْ فِي خِيَارِ التَّعْيِينِ عَلَيْهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي خِيَارِ النَّقْدِ تَعَلُّقًا صَرِيحًا بِأَدَاةِ الشَّرْطِ فَلَا يَكُونُ الْوَارِدُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَارِدًا فِيهِ بِخِلَافِ خِيَارِ التَّعْيِينِ لَيْسَ فِي صَرِيحِ التَّعْلِيقِ فَكَانَ فِي مَعْنَاهُ، وَهَذَا يُوجِبُ أَنَّ أَخْذَهُ فِي خِيَارِ النَّقْدِ فِي الثَّلَاثَةِ بِأَثَرٍ لِابْنِ عُمَرَ فِيهِ، وَنَفْيُ الزَّائِدِ بِالْقِيَاسِ، وَأَثَرُ ابْنِ عُمَرَ نَقَلَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ مَوْلَى ابْنِ الْبَرْصَاءِ قَالَ: بِعْت مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا، فَأَجَازَ ابْنُ عُمَرَ هَذَا الْبَيْعَ.
وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُطَابِقُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي مَسْأَلَةِ خِيَارِ النَّقْدِ فِيمَا تَقَدَّمَ؛ فَأَبُو يُوسُفَ ﵀ فِي الْأَصْلِ بِالْأَثَرِ، وَفِي هَذَا بِالْقِيَاسِ (قَوْلُهُ وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا أَوْ تَعَيَّبَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فِيهِ بِثَمَنِهِ وَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْأَمَانَةِ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِالتَّعَيُّبِ) عَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِالتَّعْيِيبِ فَيُعْرَفُ مِنْهُ أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُمَا لِامْتِنَاعِ رَدِّهِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ عِنْدَهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْهَلَاكَ لَا يَعْرَى عَنْ مُقَدِّمَةِ عَيْبٍ، فَلَوْ هَلَكَ الْآخَرُ بَعْدَهُ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ أَنَّهُ أَمَانَةٌ، أَمَّا لَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ تَعَيَّبَ فَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ، وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِثَمَنِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَلَوْ هَلَكَ الْكُلُّ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ (وَلَوْ هَلَكَا مَعًا) بَعْدَ الْقَبْضِ (لَزِمَهُ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِشُيُوعِ الْبَيْعِ وَالْأَمَانَةِ) فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِكَوْنِهِ الْمَبِيعَ مِنْ الْآخَرِ، وَكَذَا إذَا هَلَكَا عَلَى التَّعَاقُبِ وَلَمْ يُدْرَ السَّابِقُ مِنْهُمَا. وَأَثَرُ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ ثَمَنُهُمَا مُتَفَاوِتَ الْكَمْيَّةِ، فَإِنْ كَانَا مُتَّفِقَيْنِ فَلَا، وَكَذَا إذَا هَلَكَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَاخْتَلَفَا فِي الْهَالِكِ أَوَّلًا فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ أَكْثَرُهُمَا ثَمَنًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي الْأَقَلُّ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ.
وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ أَوَّلًا يَتَحَالَفَانِ فَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ، وَإِنْ حَلَفَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا هَلَكَا مَعًا، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَيُّهُمَا بُيِّنَ قُبِلَ، فَإِنْ أَقَامَاهَا قُضِيَ بِبَيِّنَةِ الْبَائِعِ لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ، وَلَوْ تَعَيَّبَا مَعًا بَطَلَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ رَدُّهُمَا وَخِيَارُ التَّعْيِينِ عَلَى حَالِهِ فَيُمْسِكُ أَيَّهُمَا شَاءَ بِثَمَنِهِ وَيَرُدُّ الْآخَرَ، وَلَا يَغْرَمُ مِنْ قِيمَةِ عَيْبِ الْمَرْدُودِ شَيْئًا اسْتِحْسَانًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute