وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بَطَلَ خِيَارُهُ) لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ عِنْدَنَا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ (وَمَنْ رَأَى شَيْئًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ مُدَّةٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي رَآهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ) لِأَنَّ الْعِلْمَ بِأَوْصَافِهِ حَاصِلٌ لَهُ بِالرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ، وَبِفَوَاتِهِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ
قَبْلَهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِصِفَاتِ الْمَبِيعِ وَلِذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ وَالرِّضَا، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا لَا يَرُدُّ الْبَاقِيَ، وَهُنَا وَفِي خِيَارِ الشَّرْطِ يَرُدُّ الْآخَرَ إذَا رَدَّ أَحَدَهُمَا بَعْدَ الْقَبْضِ.
أُجِيبَ أَنَّ رَدَّ أَحَدِهِمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يُوجِبُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ لِمَا عُلِمَ أَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَهُمَا، وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ: لَوْ رَدَّ كَانَ بَعْدَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَمَّتْ فِيمَا كَانَ مِلْكُ الْبَائِعِ ظَاهِرًا فَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْبَاقِي عَيْبُ الشَّرِكَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا وَاحِدًا فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ أَيْضًا كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْأَعْيَانِ الْمُجْتَمِعَةِ عَيْبٌ، وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَرْضَ بِهَذَا الْعَيْبِ فِي فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَوْ كَانَ قَبَضَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يَقْبِضْ الْآخَرَ ثُمَّ اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا لَهُ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِهَا قَبْلَ التَّمَامِ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ فِيهِ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ قَبْلَ الْقَبْضِ يُخَيَّرُ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ، وَلَوْ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ قَبْلَ الْقَبْضِ.
هَذَا وَالْمَعْنَى فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ وَجَوَازِهَا بَعْدَهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْأَكْبَرِ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي تَفْرِيقِهَا ثُبُوتَ ضَرَرَيْنِ دَائِمًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَبْلَ التَّمَامِ يَكُونُ ضَرَرُ الْبَائِعِ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ ضَرَرُ مَالٍ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَرُوجُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِالْآخَرِ لِجَوْدَةِ أَحَدِهِمَا وَرَدَاءَةِ الْآخَرِ، وَهُوَ فَوْقَ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ ضَرَرَهُ لَيْسَ إلَّا بِبُطْلَانِ مُجَرَّدِ قَوْلِهِ إذَا أَلْزَمْنَاهُ رَدَّهُمَا، وَبَعْدَ الْقَبْضِ ضَرَرُ الْمُشْتَرِي أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ مَتَى رَدَّ الْكُلَّ يَبْطُلُ حَقُّهُ عَنْ الْيَدِ وَضَرَرُ الْبَائِعِ مَوْهُومٌ إذْ قَدْ يَبِيعُ الْمَرْدُودَ بِثَمَنٍ جَيِّدٍ فَعَمِلْنَا بِدَفْعِ أَعْلَى الضَّرَرَيْنِ فِيهِمَا
(قَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بَطَلَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ) عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْوَجْهِ (فِي خِيَارِ الشَّرْطِ) وَتَقَدَّمَ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ لَا يُوَرَّثَانِ وَخِيَارَ الْعَيْبِ وَالتَّعْيِينِ يُوَرَّثَانِ بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ وَمَنْ رَأَى شَيْئًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ مُدَّةٍ فَإِنْ وَجَدَهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي رَآهُ) عَلَيْهَا (فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِأَوْصَافِهِ حَاصِلٌ لَهُ بِالرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ) فَلَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute