إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ عَلَى مَا قَالُوا لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهَا أَمْرٌ حَادِثٌ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ.
قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى عِدْلَ زُطِّيٍّ وَلَمْ يَرَهُ فَبَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْهَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ، وَكَذَلِكَ خِيَارُ الشَّرْطِ)؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ فِيمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ، وَفِي رَدِّ مَا بَقِيَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يَمْنَعَانِ تَمَامَهَا، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَتِمُّ قَبْلَهُ وَفِيهِ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ.
وَقَوْلُهُ (إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ: أَيْ إلَّا فِي صُورَةِ مَا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ (عَلَى مَا قَالُوا) أَيْ الْمَشَايِخُ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلْمُشْتَرِي) إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَبْقَى الشَّيْءُ فِي دَارِ التَّغَيُّرِ وَهِيَ الدُّنْيَا زَمَانًا طَوِيلًا لَمْ يَطْرُقْهُ تَغَيُّرٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَرَأَيْت لَوْ رَأَى جَارِيَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ عِشْرِينَ سَنَةً وَقَالَ تَغَيَّرَتْ: أَنْ لَا يُصَدَّقَ، بَلْ يُصَدَّقَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ.
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَبِهِ أَفْتَى الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْإِمَامُ الْمَرْغِينَانِيُّ فَنَقُولُ: إنْ كَانَ لَا يَتَفَاوَتُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ غَالِبًا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ غَالِبًا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي. مِثَالُهُ: لَوْ رَأَى دَابَّةً أَوْ مَمْلُوكًا فَاشْتَرَاهُ بَعْدَ شَهْرٍ وَقَالَ تَغَيَّرَ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي مِثْلِهِ قَلِيلٌ
(قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى عِدْلَ زُطِّيٍّ لَمْ يَرَهُ وَقَبَضَهُ فَبَاعَ ثَوْبًا مِنْهُ أَوْ وَهَبَهُ) ثُمَّ رَأَى الْبَاقِيَ (لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْهَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ) وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الْعِدْلَ الْمَذْكُورَ عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهُوَ شَرْطُ الْخِيَارِ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ: أَعْنِي فَبَاعَ بَعْضَهَا أَوْ وَهَبَهُ سَقَطَ خِيَارُهُ فِي الْبَاقِي وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ بَلْ إنْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ، وَهَذَا (لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ فِيمَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ) فَلَوْ رَدَّ الْبَاقِيَ فَقَطْ كَانَ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ التَّمَامِ، لِمَا مَرَّ مِنْ.
(أَنَّ) قِيَامَ (خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يَمْنَعُ تَمَامَهَا) وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ (بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ مَعَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَفِيهِ) أَيْ فِي الْمَقْبُوضِ (وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ)؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مُقَيَّدَةً بِهِ لَمْ تَصِحَّ صُورَتُهَا إذْ لَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَمْ يَقْبِضْ وَهِبَتُهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَتْ الْخِيَارَاتُ كُلُّهَا سَوَاءً وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ أَحَدَهُمَا بَلْ يَرُدُّهُمَا بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ إنْ شَاءَ فَلَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى شَيْئَيْنِ وَلَمْ يَقْبِضْهُمَا حَتَّى وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا لَا يَرُدُّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً بَلْ يَرُدُّهُمَا إنْ شَاءَ.
لَا يُقَالُ: فِي عَدَمِ رَدِّ الْبَاقِي عِنْدَ رُؤْيَتِهِ تُرِكَ الْعَمَلُ بِحَدِيثِ الْخِيَارِ لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ مَعَ أَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ فَإِنَّ تَفْرِيقَهَا جَائِزٌ بَعْدَ تَمَامِهَا وَحَدِيثُ الْخِيَارِ أَقْوَى.
قُلْنَا: لَمْ نَقُلْ بِعَدَمِ رَدِّهِ مُطْلَقًا، بَلْ قُلْنَا: إذَا رَدَّهُ يَرُدُّ مَعَهُ الْآخَرَ، فَزِدْنَا شَرْطًا فِي الرَّدِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute