للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَإِذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ) فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي وَصْفَ السَّلَامَةِ، فَعِنْدَ فَوْتِهِ يَتَخَيَّرُ

الْأَصْلِ، وَالْعَيْبُ: مَا تَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ مِمَّا يُعَدُّ بِهِ نَاقِصًا (قَوْلُهُ وَإِذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ) وَلَمْ يَكُنْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ (فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَ) ذَلِكَ الْمَبِيعَ (بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ) هَذَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إزَالَتِهِ بِلَا مَشَقَّةٍ، فَإِنْ تَمَكَّنَ فَلَا كَإِحْرَامِ الْجَارِيَةِ فَإِنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ تَحْلِيلِهَا وَنَجَاسَةِ الثَّوْبِ، وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى ثَوْبٍ لَا يَفْسُدُ بِالْغَسْلِ وَلَا يُنْتَقَصُ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهُ هَذَا الْخِيَارُ (لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ) وَهُوَ مَا لَمْ يُشْرَطْ فِيهِ عَيْبٌ (يَقْتَضِي وَصْفَ السَّلَامَةِ، فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَتَخَيَّرُ) بَيَانُ الْأَوَّلِ مِنْ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْنَى.

أَمَّا الْمَنْقُولُ فَمَا عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ حَيْثُ قَالَ: وَيُذْكَرُ عَنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: «كَتَبَ لِي النَّبِيُّ : هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ، بَيْعُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ عَبْدًا لَا دَاءَ وَلَا خِبْثَةً وَلَا غَائِلَةَ» ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ قَتَادَةُ: الْغَائِلَةُ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَالْإِبَاقُ.

وَرَوَى ابْنُ شَاهِينِ فِي الْمُعْجَمِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ لَيْثٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ وَهْبٍ أَبُو وَهْبٍ قَالَ: قَالَ لِي الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدٍ بْنُ هَوْذَةَ: «أَلَا أُقْرِئُكَ كِتَابًا كَتَبَهُ لِي رَسُولُ اللَّهِ ؟ قَالَ: قُلْت بَلَى، فَأَخْرَجَ لِي كِتَابًا هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ» فَفِي هَذَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْعَدَّاءُ.

وَفِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ النَّبِيُّ . وَصُحِّحَ فِي الْمُغْرِبِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَانَ الْعَدَّاءَ وَتَعْلِيقُ الْبُخَارِيِّ إنَّمَا يَكُونُ صَحِيحًا إذَا لَمْ يَكُنْ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ كَيُذْكَرُ بَلْ بِنَحْوِ قَوْلِهِ، وَقَالَ مُعَاذٌ لِأَهْلِ الْيَمَنِ.

فَفِي قَوْلِهِ «بَيْعُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ مَا كَانَ سَلِيمًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ بِالرَّدِّ فِيهِ عَلَى مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِسَنَدِهِ إلَى عَائِشَةَ «أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ غُلَامًا فَأَقَامَ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُقِيمَ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا، فَخَاصَمَهُ إلَى النَّبِيِّ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ اسْتَغَلَّ غُلَامِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَفَسَّرَ الْخَطَّابِيُّ الدَّاءَ بِمَا يَكُونُ بِالرَّقِيقِ مِنْ الْأَدْوَاءِ الَّتِي يُرَدُّ بِهَا كَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَنَحْوِهَا، وَالْخِبْثَةَ مَا كَانَ خَبِيثَ الْأَصْلِ مِثْلُ أَنْ يَسْبِيَ مَنْ لَهُ عَهْدٌ يُقَالُ هَذَا سَبْيُ خِبْثَةٍ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَحْرُمُ سَبْيُهُ، وَهَذَا سَبْيٌ طَيِّبَةٌ بِوَزْنِ خَيِّرَةٍ ضِدُّهُ.

وَمَعْنَى الْغَائِلَةِ مَا يَغْتَالُ حَقَّك مِنْ حِيلَةٍ وَمَا يُدَلِّسُ عَلَيْك

<<  <  ج: ص:  >  >>