كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ بِلُزُومِ مَا لَا يَرْضَى بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَأْخُذَ النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فِي مُجَرَّدِ الْعَقْدِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِأَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي مُمْكِنٌ بِالرَّدِّ بِدُونِ تَضَرُّرِهِ، وَالْمُرَادُ عَيْبٌ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْبَيْعِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رِضًا بِهِ. .
فِي الْمَبِيعِ مِنْ عَيْبٍ، وَتَفْسِيرُهُ لِلدَّاءِ يُوَافِقُ تَفْسِيرَ أَبِي يُوسُفَ لَهُ.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَفَسَّرَهُ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْهُ بِالْمَرَضِ فِي الْجَوْفِ وَالْكَبِدِ وَالرِّئَةِ، وَفَسَّرَ أَبُو يُوسُفَ الْغَائِلَةَ بِمَا يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْأَفْعَالِ كَالْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ وَهُوَ قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ الْغَائِلَةُ: الْخَصْلَةُ الَّتِي تَغُولُ الْمَالَ: أَيْ تُهْلِكُهُ مِنْ إبَاقٍ وَغَيْرِهِ، وَالْخِبْثَةُ: هُوَ الِاسْتِحْقَاقُ، وَقِيلَ هُوَ الْجُنُونُ، وَأَمَّا الْمَعْنَى: فَلِأَنَّ السَّلَامَةَ لَمَّا كَانَتْ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْمَخْلُوقِ انْصَرَفَ مُطْلَقُ الْعَقْدِ إلَيْهَا؛ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْقَصْدَ إلَى مَا هُوَ مُتَحَقِّقٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْحَاجَةِ عَلَى التَّمَامِ بِهِ يَكُونُ، وَالنَّاقِصُ مَعْدُومٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا بِذِكْرِهِ وَتَعْيِينِهِ، وَلَمَّا كَانَ الْقَصْدُ إلَى السَّالِمِ هُوَ الْغَالِبُ صَارَ كَالْمَشْرُوطِ فَيَتَخَيَّرُ عِنْدَ فَقْدِهِ (كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ بِإِلْزَامِ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ) (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَأْخُذَ النُّقْصَانَ) أَيْ نُقْصَانَ الْعَيْبِ.
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ خِلَافًا لِأَحْمَدَ، لِأَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي فَلَا يَتَحَقَّقُ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ ضَرَرًا عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامٍ لَهُ، وَالْبَائِعُ يَلْتَزِمُهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ بَاعَهُ بِالْمُسَمَّى لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِهِ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعِيبًا، وَهَذَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعْرِفَتُهُ بِالْعَيْبِ فَأُنْزِلَ عَالِمًا بِهِ لِطُولِ مُمَارَسَتِهِ لَهُ فِي مُدَّةِ كَوْنِهِ فِي يَدِهِ، وَلِذَا بِعَيْنِهِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَوَجَدَهُ سَلِيمًا لَا خِيَارَ لَهُ.
وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَا رَضِيَ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ مَعِيبٌ فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِهِ حِينَ وَجَدَهُ سَلِيمًا لِأَنَّهُ أُنْزِلَ عَالِمًا بِوَصْفِ السَّلَامَةِ فِيهِ فَحَيْثُ بَاعَهُ بِالْمُسَمَّى كَانَ رَاضِيًا بِالثَّمَنِ عَلَى اعْتِبَارِهِ سَلِيمًا فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ، كَمَا جُعِلَ عَالِمًا بِالْعَيْبِ فَأُنْزِلَ غَيْرَ رَاضٍ فِيهِ مَعِيبًا إلَّا بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ بَلْ يَتَخَيَّرُ فِي أَخْذِهِ أَوْ رَدِّهِ، فَإِنَّ بِذَلِكَ يَعْتَدِلُ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي دَفْعِ ضَرَرٍ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِهِ فَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْأَوْجَهُ.
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ قَوْلِهِ (وَلِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ) فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي مُقَابَلَةِ فَوَاتِهِ شَيْئًا؛ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ عُيِّنَ فَإِنَّمَا يُقَابِلُهُ مِثْلُهُ، وَالْوَصْفُ دُونَهُ فَإِنَّهُ عَرَضٌ لَا يُحْرَزُ بِانْفِرَادِهِ فَلَا يُقَابَلُ بِهِ إلَّا تَبَعًا لِمَعْرُوضِهِ غَيْرَ مُنْفَرِدٍ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا صَارَتْ مَقْصُودَةً بِالتَّنَاوُلِ حَقِيقَةً، كَمَا لَوْ ضَرَبَ الْبَائِعُ الدَّابَّةَ فَتَعَيَّنَتْ فَإِنَّ الْوَصْفَ حِينَئِذٍ يُفْرَدُ بِالضَّمَانِ وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، وَكَذَا إذَا قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ نِصْفُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ، أَوْ حُكْمًا بِأَنْ امْتَنَعَ الرَّدُّ لِحَقِّ الْبَائِعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute