قَالَ (وَالْجُنُونُ فِي الصِّغَرِ عَيْبٌ أَبَدًا) وَمَعْنَاهُ: إذَا جُنَّ فِي الصِّغَرِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ عَاوَدَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِيهِ أَوْ فِي الْكِبَرِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ، إذْ السَّبَبُ فِي الْحَالَيْنِ مُتَّحِدٌ وَهُوَ فَسَادُ الْبَاطِنِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ الْمُعَاوَدَةَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهِ وَإِنْ كَانَ قَلَّمَا يَزُولُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ لِلرَّدِّ. .
اُسْتُرِدَّ، وَالْبُلُوغُ هُنَا لَا بِالْمُدَوَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَرَدَّ انْتَهَى.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: اشْتَرَى جَارِيَةً وَادَّعَى أَنَّهَا لَا تَحِيضُ وَاسْتَرَدَّ بَعْضَ الثَّمَنِ ثُمَّ حَاضَتْ، قَالُوا: إذَا كَانَ الْبَائِعُ أَعْطَاهُ عَلَى وَجْهِ الصُّلْحِ عَنْ الْعَيْبِ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ ذَلِكَ. وَفِيهَا أَيْضًا اشْتَرَى عَبْدًا وَقَبَضَهُ فَحُمَّ عِنْدَهُ وَكَانَ يُحَمُّ عِنْدَ الْبَائِعِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: الْمَسْأَلَةُ مَحْفُوظَةٌ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إنْ حُمَّ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يُحَمُّ فِيهِ عِنْدَ الْبَائِعِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ، وَفِي غَيْرِهِ فَلَا، فَقِيلَ لَهُ: فَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فَنَزَّتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَقَدْ كَانَتْ تَنِزُّ عِنْدَ الْبَائِعِ، قَالَ: لَهُ أَنْ يَرُدَّ؛ لِأَنَّ سَبَبَ النَّزِّ وَاحِدٌ وَهُوَ تَسَفُّلُ الْأَرْضِ وَقُرْبُ الْمَاءِ، إلَّا أَنْ يَجِيءَ مَاءٌ غَالِبٌ أَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي رَفَعَ شَيْئًا مِنْ تُرَابِهَا فَيَكُونُ النَّزُّ غَيْرَ ذَلِكَ أَوْ يَشْتَبِهُ فَلَا يَدْرِي أَنَّهُ عَيْنُهُ أَوْ غَيْرُهُ.
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: يُشْكِلُ بِمَا فِي الزِّيَادَاتِ: اشْتَرَى جَارِيَةً بَيْضَاءَ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَانْجَلَى الْبَيَاضُ عِنْدَهُ ثُمَّ عَادَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ، وَجُعِلَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ، وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَيْضَاءَ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى انْجَلَى ثُمَّ عَادَ عِنْدَ الْبَائِعِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ، وَجُعِلَ الثَّانِي عَيْنُ الْأَوَّلِ الَّذِي رَضِيَ بِهِ إذَا كَانَ الثَّانِي عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ عَيْنَهُ إذَا عَادَ الْبَيَاضُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَقَالَ: لَا يَرُدُّ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ كُنْت أُشَاوِرُ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَهُوَ يُشَاوِرُ مَعِي فِيمَا كَانَ مُشْكِلًا إذَا اجْتَمَعْنَا فَشَاوَرْتُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا اسْتَفَدْت مِنْهُ فَرْقًا.
(قَوْلُهُ وَالْجُنُونُ عَيْبٌ أَبَدًا) هَذَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ ﵀، فَلَوْ جُنَّ فِي الصِّغَرِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ عَاوَدَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي الصِّغَرِ أَوْ فِي الْكِبَرِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لِلْجُنُونِ فِي حَالِ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ مُتَّحِدٌ (وَهُوَ فَسَادُ الْبَاطِنِ) أَيْ بَاطِنِ الدِّمَاغِ، فَهَذَا مَعْنَى لَفْظِ أَبَدًا الْمَذْكُورُ فِي لَفْظِ مُحَمَّدٍ (وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ الْمُعَاوَدَةَ) لِلْجُنُونِ (فِي يَدِ الْمُشْتَرِي) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ، فَأَثْبَتُوا حَقَّ الرَّدِّ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الْجُنُونِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يُجَنَّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَهَذَا غَلَطٌ (لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهِ) أَيْ إزَالَةِ سَبَبِهِ (وَإِنْ كَانَ قَلَّمَا يَزُولُ) وَقَدْ حَقَّقْنَا كَثِيرًا مِنْ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ جُنُّوا ثُمَّ عُوفُوا بِالْمُدَاوَاةِ، فَإِنْ لَمْ يُعَاوِدْهُ جَازَ كَوْنُ الْبَيْعِ صَدَرَ بَعْدَ إزَالَةِ اللَّهِ ﷾ هَذَا الدَّاءَ وَزَوَالِ الْعَيْبِ فَلَا يَرُدُّ بِلَا تَحَقُّقِ قِيَامِ الْعَيْبِ (فَلَا بُدَّ مِنْ مُعَاوَدَةِ الْجُنُونِ بِالرَّدِّ) وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَاخْتَارَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ.
قَالَ مُحَمَّدٌ بَعْدَ قَوْلِهِ إذَا جُنَّ مَرَّةً وَاحِدَةً فَهُوَ عَيْبٌ لَازِمٌ أَبَدًا بِأَسْطُرٍ، وَإِنْ طَعَنَ الْمُشْتَرِي بِإِبَاقٍ أَوْ جُنُونٍ وَلَا يَعْلَمُ الْقَاضِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحْلِفُ الْبَائِعَ حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَدْ أَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ جُنَّ، وَصُرِّحَ بِاشْتِرَاطِ الْمُعَاوَدَةِ فِي الْجُنُونِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْبَائِعِ لَا مِنْ الْبَائِعِ، أَوْ عِنْدَ آخَرَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ لَمْ تَلِدْ ثَانِيًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ عَيْبٌ لَازِمٌ؛ لِأَنَّ الضَّعْفَ الَّذِي حَصَلَ بِالْوِلَادَةِ لَا يَزُولُ أَبَدًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute