للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ فَلَا يُحْكَمُ بِهَا إلَّا بِمُؤَيِّدٍ وَهُوَ نُكُولُ الْبَائِعِ، ثُمَّ ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ فِي صِفَةِ الْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا ادَّعَى انْقِطَاعَ الْحَيْضِ فَالْقَاضِي يَسْأَلُهُ عَنْ مُدَّةِ الِانْقِطَاعِ، فَإِنْ ذَكَرَ مُدَّةً قَصِيرَةً لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَإِنْ ذَكَرَ مُدَّةً مَدِيدَةً سُمِعَتْ. وَالْمَدِيدَةُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مُقَدَّرَةٌ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ بِسَنَتَيْنِ، وَمَا دُونَ الْمَدِيدَةِ قَصِيرَةٌ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا أَخَذَ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَإِلَّا أَخَذَ بِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَهُوَ سَنَتَانِ، وَإِذَا سَمِعَ الدَّعْوَى يَسْأَلُ الْبَائِعَ أَهِيَ كَمَا ذَكَرَ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ بِالْتِمَاسِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ قَالَ: هِيَ كَذَلِكَ لِلْحَالِ وَمَا كَانَتْ كَذَلِكَ عِنْدِي تَوَجَّهَتْ الْخُصُومَةُ عَلَى الْبَائِعِ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى قِيَامِهَا لِلْحَالِ، وَإِنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي يَمِينَ الْبَائِعِ يَحْلِفُ الْبَائِعُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَهِدَ لِلْمُشْتَرِي شُهُودٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الِانْقِطَاعِ وَتُقْبَلُ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ عَلَى الِانْقِطَاعِ الَّذِي يُعَدُّ عَيْبًا، وَإِنْ أَنْكَرَ الْبَائِعُ الِانْقِطَاعَ فِي الْحَالِ هَلْ يُسْتَحْلَفُ؟ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا، وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ، وَهَذَا يَنْبُو عَنْ تَقْرِيرِ الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا يُوَافِقُ تَقْرِيرَ الْهِدَايَةِ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ، هَذَا مَا ذَكَرَ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: اشْتَرَى جَارِيَةً فَقَبَضَهَا فَلَمْ تَحِضْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي شَهْرًا أَوْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا.

قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: ارْتِفَاعُ الْحَيْضِ عَيْبٌ، وَأَدْنَاهُ شَهْرٌ وَاحِدٌ إذَا ارْتَفَعَ هَذَا الْقَدْرُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ انْتَهَى.

وَهَذَا كَمَا تَرَى لَا يَشْتَرِطُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَلَا أَكْثَرَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَمَا تَقَدَّمَ خِلَافٌ بَيْنَهُمْ فِي اسْتِبْرَاءِ مُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ سَنَتَانِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَهُوَ قَوْلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالرِّوَايَةُ هُنَاكَ لَيْسَتْ وَارِدَةً هُنَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَاكَ يَسْتَدْعِي ذَلِكَ الِاعْتِبَارَ فَإِنَّ الْوَطْءَ مَمْنُوعٌ شَرْعًا إلَى الْحَيْضَةِ لِاحْتِمَالِ الْحَبَلِ فَيَكُونُ سَاقِيًا مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، فَقَدَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ هُنَاكَ بِسَنَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ، فَإِذَا مَضَتَا ظَهَرَ انْتِفَاؤُهُ فَجَازَ وَطْؤُهَا وَهُوَ أَقْيَسُ.

وَقَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ؛ لِأَنَّهَا اُعْتُبِرَتْ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا؛ وَلِأَنَّ فِيهَا يَظْهَرُ الْحَبَلُ غَالِبًا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا، وَقَدَّرَهُ أَبُو يُوسُفَ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ عِدَّةَ الَّتِي لَا تَحِيضُ، وَالْحُكْمُ هُنَا لَيْسَ إلَّا كَوْنَ الِامْتِدَادِ عَيْبًا فَلَا يَتَّجِهُ إنَاطَتُهُ بِسَنَتَيْنِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْمُدَدِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ عَيْبًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ يُؤَدِّي إلَى الدَّاءِ وَطَرِيقًا إلَيْهِ، وَذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِمَّا ذُكِرَ.

وَبِمَا ذَكَرْنَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِي دَعْوَى الِانْقِطَاعِ لِلرَّدِّ بِهِ إلَى تَعْيِينِ أَنَّهُ عَنْ حَبَلٍ أَوْ دَاءٍ فِي الدَّعْوَى فَإِنَّ كَوْنَهُ عَيْبًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُفْضِيًا إلَى الدَّاءِ لَا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ دَاءٍ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، فَلِذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ فَقِيهُ النَّفْسِ قَاضِي خَانْ لِمَا ذُكِرَ مِنْ تَعْيِينِ كَوْنِ الِانْقِطَاعِ عَنْ أَحَدِهِمَا، بَلْ إذَا ادَّعَى الِانْقِطَاعَ فِي أَوَانِهِ فَقَدْ ادَّعَى الْعَيْبَ، وَيَكْفِي شَهْرٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ بِهِ يَتَحَقَّقُ الِانْقِطَاعُ فِي أَوَانِهِ وَهُوَ الْعَيْبُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْوَاقِعِ مُسَبَّبًا عَنْ دَاءٍ فَهُوَ عَيْبٌ وَطَرِيقًا إلَيْهِ، فَكَذَلِكَ فَيَكْفِي فِي الْخُصُومَةِ ادِّعَاءُ ارْتِفَاعِهِ فَقَطْ وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَقَلَّمَا يَظْهَرُ لِلطَّبِيبِ دَاءٌ بِمُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ، وَكَثِيرًا مَا يَكُونُ الْمُمْتَدُّ طُهْرُهَا شَهْرَيْنِ وَثَلَاثَةٍ صَحِيحَةً لَا يَظْهَرُ بِهَا دَاءٌ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْأَمَةِ، وَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ بِقَوْلِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقِفُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهَا، فَلَوْ كَانَ اعْتِقَادُهُ لُزُومَ دَعْوَى الدَّاءِ أَوْ الْحَبَلِ فِي دَعْوَى عَيْبِ الِانْقِطَاعِ لَمْ يُتَصَوَّرْ أَنْ يَثْبُتَ بِقَوْلِهَا حِينَئِذٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>