وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَهُ وَبِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ عِنْدَهُمَا. لَهُمَا أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي يَدِ الْبَائِعِ سَبَبُ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي الْمَالِيَّةَ فَنَفَذَ الْعَقْدُ فِيهِ لَكِنَّهُ مُتَعَيِّبٌ فَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّهِ وَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ بِالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَامِلًا إلَى غَيْرِ حَامِلٍ. وَلَهُ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْوُجُوبُ يُفْضِي إلَى الْوُجُودِ فَيَكُونُ الْوُجُودُ مُضَافًا إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ، وَصَارَ كَمَا إذَا قُتِلَ الْمَغْصُوبُ أَوْ قُطِعَ بَعْدَ الرَّدِّ بِجِنَايَةٍ وُجِدَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ
مِنْ قَتْلٍ عَمْدًا أَوْ رِدَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ: يَعْنِي قُتِلَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِكُلِّ الثَّمَنِ حَتْمًا، وَعِنْدَهُمَا يُقَوَّمُ حَلَالُ الدَّمِ وَحَرَامُهُ فَيَرْجِعُ بِمِثْلِ نِسْبَةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ الثَّمَنِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ (فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ) أَيْ الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ: أَيْ ثُبُوتُهُ فِي الْعَبْدِ (بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ) وَلَوْ اُسْتُحِقَّ كُلُّهُ رَجَعَ بِالْكُلِّ أَوْ نِصْفُهُ كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ وَيَرْجِعَ بِالْكُلِّ وَبَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَيُمْسِكَ الثَّمَنَ فَكَذَا هُنَا (وَعِنْدَهُمَا) ذَلِكَ (بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ).
وَفِي الْمَبْسُوطِ: فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ الْقَطْعِ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِنِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ مَا كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً فِي يَدِ الْبَائِعِ لِيُنْتَقَضَ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِي النِّصْفِ (لَهُمَا أَنَّ الْمَوْجُودَ عِنْدَ الْبَائِعِ سَبَبُ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ) وَثُبُوتُ سَبَبِ ذَلِكَ لَا يُنَافِي مَالِيَّةَ الْعَبْدِ وَلِذَا صَحَّ بَيْعُهُ وَعِتْقُهُ، وَلَوْ مَاتَ كَانَ الثَّمَنُ مُقَرَّرًا عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْقِصَاصِ حَقٌّ فِي مَالِيَّتِهِ، وَلِذَا لَوْ كَانَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ يَأْبَى شِرَاءَ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ صَحَّ شِرَاؤُهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي مَالِيَّتِهِ لَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ أَبَى الْمُرْتَهِنُ بَيْعَ عَبْدِ الرَّهْنِ لَمْ يَصِحَّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالْمَالِيَّةِ.
فَعُرِفَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعُقُوبَةِ مُتَعَلِّقٌ بِآدَمِيَّتِهِ لَا بِمَالِيَّتِهِ، وَالِاسْتِحْقَاقُ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ بِالْقَتْلِ وَهُوَ فِعْلٌ أَنْشَأَهُ الْمُسْتَوْفِي بِاخْتِيَارِهِ فِي النَّفْسِ بَعْدَمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، وَبِهِ لَا يُنْتَقَضُ قَبْضُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ الْمَبِيعِ وَيُنْتَقَضُ بِأَخْذِ الْمُسْتَحِقِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَالٌ فَكَانَ اسْتِيفَاءُ الْعُقُوبَةِ عَيْبًا حَادِثًا فِي يَدِهِ فَمَنَعَ الرَّدَّ فَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ (وَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى حَامِلًا) لَا يَعْلَمُ بِحَمْلِهَا وَقْتَ الشِّرَاءِ وَلَا وَقْتَ الْقَبْضِ (فَمَاتَتْ) عِنْدَهُ (بِالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَامِلًا وَغَيْرَ حَامِلٍ) وَلَفْظَةُ إلَى فِي قَوْلِهِ إلَى غَيْرِ حَامِلٍ لَيْسَ لَهَا مَوْقِعٌ (وَلَهُ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ) وُجِدَ (فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْوُجُوبُ يُفْضِي إلَى الْوُجُودِ فَيَكُونُ الْوُجُودُ مُضَافًا إلَى سَبَبِ) الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ وَهُوَ سَرِقَتُهُ الْكَائِنَةُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَقَتْلُهُ فَصَارَ مَوْتُهُ مُضَافًا إلَيْهِ وَقَطْعُهُ وَصَارَ كَأَنَّهُ قُطِعَ أَوْ قُتِلَ عِنْدَ الْبَائِعِ الَّذِي عِنْدَهُ السَّبَبُ وَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ إذَا رَدَّهُ الْغَاصِبُ عَلَى مَالِكِهِ بَعْدَمَا جَنَى عِنْدَ الْغَاصِبِ فَقُتِلَ عِنْدَ الْمَالِكِ بِهَا أَوْ قُطِعَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِتَمَامِ قِيمَتِهِ أَوْ نِصْفِهَا، كَمَا لَوْ قُتِلَ عِنْدَ الْغَاصِبِ بِجَامِعِ اسْتِنَادِ الْوُجُودِ إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ الْكَائِنِ عِنْدَ الْأَوَّلِ
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيُنْتَقَضُ قَبْضُهُ كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَصَارَ سَبَبُ السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ لِفَوَاتِ الْمَالِيَّةِ فَكَانَ الْمُسْتَحَقُّ بِهِ كَأَنَّهُ الْمَالِيَّةُ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ إلَّا بِحَقِيقَتِهِ فِعْلَ الِاسْتِيفَاءِ، وَقَبْلَهُ لَا يَتِمُّ فِي حَقِّ ذَلِكَ فَتَبْقَى الْمَالِيَّةُ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ، فَأَمَّا إذَا قُتِلَ فَقَدْ تَمَّ حِينَئِذٍ الِاسْتِحْقَاقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute