للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ لَا يَصِحُّ. هُوَ يَقُولُ: إنَّ فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ، وَتَمْلِيكُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ. وَلَنَا أَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْإِسْقَاطِ

بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ صَحِيحٌ فِي الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ، وَيَبْرَأُ الْبَائِعُ بِهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ قَائِمٍ وَقْتَ الْبَيْعِ مَعْلُومٍ لَهُ أَوْ غَيْرِ مَعْلُومٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْبٍ يَحْدُثُ إلَى وَقْتِ الْقَبْضِ أَيْضًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الْحَادِثِ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْبَيْعَ لَوْ كَانَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ لَا يَدْخُلُ الْحَادِثُ فِي الْبَرَاءَةِ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ كَقَوْلِنَا، وَقَوْلٌ إنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ أَصْلًا، وَثَالِثُهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَبْرَأُ، وَيُرْوَى عَنْ مَالِكٍ يَبْرَأُ الْبَائِعُ فِي الْحَيَوَانِ عَمَّا لَا يَعْلَمُهُ دُونَ مَا يَعْلَمُهُ، لِمَا رُوِيَ " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ بَاعَ عَبْدًا مِنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ فَوَجَدَ زَيْدٌ بِهِ عَيْبًا فَأَرَادَ رَدَّهُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ ابْنُ عُمَرَ فَتَرَافَعَا إلَى عُثْمَانَ ، فَقَالَ عُثْمَانُ لِابْنِ عُمَرَ: أَتَحْلِفُ أَنَّك لَمْ تَعْلَمْ بِهَذَا الْعَيْبِ؟ فَقَالَ لَا، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ "، وَالْفَرْقُ أَنَّ كِتْمَانَ الْمَعْلُومِ تَلْبِيسٌ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَعْلُومِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ فَلَا يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ مَا، فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا مُطْلَقًا هُوَ أَحَدُ أَقْوَالِهِ، قَالَ: وَهَذَا (بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ لَا يَصِحُّ) فَنَصَبَ الْخِلَافَ فِي الْمَبْنِيِّ فَقَالَ: (هُوَ يَقُولُ فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَلِهَذَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ) حَتَّى لَوْ أَبْرَأَ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ مَدْيُونَهُ فَرَدَّهُ الْمَدْيُونُ لَمْ يَبْرَأْ، وَكَذَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ (وَتَمْلِيكُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ)؛ وَلِأَنَّهُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» وَهَذَا بَيْعُ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَنَّ الْمَبِيعَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ هُوَ؛ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ فَهُوَ كَشَرْطِ عَدَمِ الْمَلِكِ، وَلَنَا أَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطُ حَقٍّ يَتِمُّ بِلَا قَبُولٍ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِأَنْ طَلَّقَ نِسْوَتَهُ أَوْ أَعْتَقَ عَبِيدَهُ وَلَمْ يَدْرِ كَمْ هُمْ وَلَا أَعْيَانَهُمْ، كَأَنْ وَرِثَ عَبِيدًا فِي غَيْرِ بَلَدِهِ أَوْ زَوَّجَهُ وَلِيُّهُ صَغِيرًا فَبَلَغَ وَهِيَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ، وَلِذَا لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُ الْأَعْيَانِ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ، وَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ بِلَفْظِ الْإِسْقَاطِ كَأَنْ يَقُولَ:.

<<  <  ج: ص:  >  >>