لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِهِ التَّمْلِيكُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى التَّسْلِيمِ فَلَا تَكُونُ مُفْسِدَةً
أَسْقَطْتُ عَنْك دَيْنِي عَلَيْكَ، وَالْإِسْقَاطُ لَا يُبْطِلُهُ جَهَالَةُ السَّاقِطِ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُ (لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِهِ التَّمْلِيكُ) فَأَظْهَرْنَا أَثَرَهُ فِي صِحَّةِ رَدِّهِ وَعَدَمِ تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ فَانْتَفَى الْمَانِعُ وَوُجِدَ الْمُقْتَضِي، وَهُوَ تَصَرُّفُ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ بِإِسْقَاطِ حُقُوقِهِ، بِخِلَافِ التَّمْلِيكِ فَإِنَّ جَهَالَةَ الْمُمَلَّكِ فِيهِ تَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ فَلَا تَتَرَتَّبُ فَائِدَةُ التَّصَرُّفِ عَلَيْهِ، أَمَّا الْإِسْقَاطُ فَإِنَّ السَّاقِطَ يَتَلَاشَى فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمٍ، فَظَهَرَ أَنَّ الْمُبْطِلَ لِتَمْلِيكِ الْمَجْهُولِ لَيْسَ الْجَهَالَةُ بَلْ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلِذَا جَازَ بَيْعُ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ بَيْعُ شَاةٍ مِنْ قَطِيعٍ لِلْمُنَازَعَةِ فِي تَعْيِينِ مَا يُسَلِّمُهُ لِلتَّفَاوُتِ.
وَأَمَّا عَدَمُ الصِّحَّةِ فِي قَوْلِهِ أَبْرَأْتُ أَحَدَكُمَا فَلِجَهَالَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، كَمَا لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ لِرَجُلٍ عَلَيَّ أَلْفٌ وَصَحَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ، وَيَلْزَمُ بِالتَّعْيِينِ، عَلَى أَنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَجَازَهُ وَأَلْزَمَهُ بِالتَّعْيِينِ كَطَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ، وَجْهُ الْمُخْتَارِ أَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا جَهَالَةَ فِيهِ، وَكَذَا الْعَتَاقُ لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُ لِلَّهِ ﵎ وَلِذَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى إبْطَالِهِ لَمْ يَبْطُلْ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا «حَدِيثُ عَلِيٍّ ﵁ حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ ﷺ لِيُصْلِحَ بَيْنَ بَنِي خُزَيْمَةَ» وَذَلِكَ «أَنَّهُ ﷺ بَعَثَ أَوَّلًا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَقَتَلَ مِنْهُمْ قَتْلَى بَعْدَمَا اعْتَصَمُوا بِالسُّجُودِ، فَدَفَعَ ﷺ إلَى عَلِيٍّ مَالًا فَوَدَاهُمْ حَتَّى مَيْلَغَةِ الْكَلْبِ، وَبَقِيَ فِي يَدِهِ مَالٌ فَقَالَ: هَذَا لَكُمْ مِمَّا لَا تَعْلَمُونَ وَلَا يَعْلَمُهُ ﷺ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَسُرَّ بِهِ» وَهُوَ دَلِيلُ جَوَازِ الصُّلْحِ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ، وَرُوِيَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي مَوَارِيثَ دَرَسَتْ، فَقَالَ ﷺ: اسْتَهِمَا وَتَوَاخَيَا الْحَقَّ وَلْيُحَلِّلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ» وَفِيهِ إجْمَاعٌ عَمَلِيٌّ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ فِي كَافَّةِ الْأَعْصَارِ اسْتَحَلَّ مِنْ مُعَامِلِيهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَالْمَعْنَى الْفِقْهِيِّ مَا ذَكَرْنَا، وَالْغُرُورُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إيهَامُ خِلَافِ الثَّابِتِ، وَمِنْهُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ بِحُرِّيَّةِ امْرَأَةٍ لِيَتَزَوَّجَهَا وَلَيْسَتْ حُرَّةً وَحِينَ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ فَقَدْ نَبَّهَهُ عَلَى إبْهَامِ الْعُيُوبِ وَبَقَائِهِ فِي يَدِهِ بِهَا فَلَمْ يَغُرَّهُ، وَقَوْلُهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَهُوَ السَّلَامَةُ، قُلْنَا يُوَافِقُ مُقْتَضَاهُ وَهُوَ اللُّزُومُ، وَكَوْنُ السَّلَامَةِ مُقْتَضَاهُ إنْ أَرَدْت الْعَقْدَ الْمُطْلَقَ سَلَّمْنَاهُ، أَوْ الْمُقَيَّدَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ إنْ كَانَتْ مَنَعْنَاهُ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute