وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْبَرَاءَةِ الْعَيْبُ الْمَوْجُودُ وَالْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ ﵀: لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْحَادِثُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ﵀؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَتَنَاوَلُ الثَّابِتَ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْغَرَضَ إلْزَامُ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ عَنْ صِفَةِ السَّلَامَةِ وَذَلِكَ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ.
لَا يَصِحَّ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُسَمَّاةِ إنْ ظَهَرَتْ وَجَوَازُهُ اتِّفَاقًا، وَقَوْلُهُ (وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْبَرَاءَةِ) يَعْنِيَ الْبَرَاءَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْكِتَابِ، فَإِنَّ الْإِشَارَةَ إلَيْهَا وَهِيَ الْبَرَاءَةُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، وَاحْتَرَزَ بِالْإِشَارَةِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ) ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْحَادِثُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ) وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَتَنَاوَلُ الثَّابِتَ) فَتَنْصَرِفُ إلَى الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَقَطْ (وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ) الْمُلَاحَظَ هُوَ الْمَعْنَى وَالْغَرَضُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ (الْغَرَضَ) مِنْ هَذَا الشَّرْطِ (إلْزَامُ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ الْمُشْتَرِي حَقَّهُ عَنْ وَصْفِ السَّلَامَةِ) لِيَلْزَمَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَا يُطَالِبَ الْبَائِعَ بِحَالٍ (وَذَلِكَ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ) يُوجِبُ لِلْمُشْتَرِي الرَّدَّ، وَالْحَادِثُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَذَلِكَ، فَاقْتَضَى الْغَرَضُ الْمَعْلُومُ دُخُولَهُ، وَأَوْرَدَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ لَمْ يَصِحَّ بِالْإِجْمَاعِ فَكَيْفَ يَصِحُّ مِنْ أَبِي يُوسُفَ إدْخَالُ الْحَادِثِ بِلَا تَنْصِيصٍ وَهُوَ مَعَ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ يُبْطِلُهُ، أُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ إجْمَاعٌ بِأَنَّ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا نَصَّ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ حَادِثٍ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ ذَلِكَ صَحِيحٌ عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُقِيمُ السَّبَبَ، وَهُوَ الْعَقْدُ مَقَامَ الْعَيْبِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَادِثَ يَدْخُلُ تَبَعًا لِتَقْرِيرِ غَرَضِهِمَا، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ لَا يَثْبُتُ مَقْصُودًا وَيَثْبُتُ تَبَعًا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ أَنَّهُ حَادِثٌ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ كَانَ عِنْدَهُ لَا أَثَرَ لِهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْعِلْمِ أَنَّهُ حَادِثٌ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي الْفَسْخِ ظَاهِرٌ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ، وَثُبُوتُ حَقِّ الْفَسْخِ بِعَيْبٍ حَدَثَ بَاطِنٌ، فَإِذَا ادَّعَى بَاطِنًا لِيُزِيلَ بِهِ ظَاهِرًا لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَعِنْدَ زُفَرَ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْقِطُ لِحَقِّهِ فَالْقَوْلُ فِي بَيَانِ مَا أَسْقَطَ قَوْلُهُ. [فُرُوعٌ]
جَمَعَهَا فِي الدِّرَايَةِ: شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ أَوْ خَصَّ ضَرْبًا مِنْ الْعُيُوبِ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَى الْحَادِثِ بِالْإِجْمَاعِ وَيَصِحُّ تَخْصِيصُهُ، وَلَوْ شَرَطَهُمَا مِنْ عَيْبٍ وَاحِدٍ كَشَجَّةٍ فَحَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ أَوْ مَوْتٌ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ آخَرَ كَشَجَّةٍ أُخْرَى فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ اعْتَبَرَ أَبُو يُوسُفَ نَفْعَ حُصُولِ الْبَرَاءَةِ لِلْبَائِعِ فَجَعَلَ الْخِيَارَ فِي تَعْيِينِ الْعَيْبِ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ إلَيْهِ وَجَعَلَهُ مُحَمَّدٌ لِلْمُشْتَرِي فَيُرَدُّ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الشَّجَّةَ الْمُتَبَرَّأَ مِنْهَا عِنْدَ الْبَيْعِ بَلْ أَبْرَأَهُ مِنْ شَجَّةٍ بِهِ أَوْ عَيْبٍ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ كُلِّ غَائِلَةٍ فَهِيَ السَّرِقَةُ وَالْإِبَاقُ وَالْفُجُورُ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ أُبْرِئَ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الدَّاءُ مَا فِي الْبَاطِنِ فِي الْعَادَةِ وَمَا سِوَاهُ يُسَمَّى مَرَضًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ ذَلِكَ، وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ قَطْعُ الْأُصْبُعِ عَيْبٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute